كتاب الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

أصابتهم الوضيعة (¬١)».
فقوله: «يتكلمون بالمتشابه من الكلام» هو الذي له وجهان، يخدعون به جهال النَّاس، كما يُنَفِّق أهل الزَّغَل (¬٢) النقد المغشوش الذي له [ق ٥٧ ب] وجهان، يخدعون به من لم يعرفه من النَّاس، فلا إله إلَّا الله كم قد ضلَّ بذلك طوائف من بني آدم لا يُحصيهم إلَّا الله.
واعتبر ذلك بأظهر الألفاظ والمعاني في القرآن والسُّنَّة وهو التوحيد ـ الذي حقيقته إثبات صفات الكمال لله، وتنزيهه عن أضدادها، وعبادته وحده لا شريك له ـ فاصطلح أهل الباطل على وضعه للتعطيل المحض، ثم دعوا النَّاس إلى التوحيد، فخدعوا به من لم يعرف معناه في اصطلاحهم، وظنَّ أن ذلك التوحيد هو الذي دعت إليه الرُّسل.
والتوحيد اسم لستة معانٍ: توحيد الفلاسفة، وتوحيد الجهمية، وتوحيد القدرية الجبرية، وتوحيد الاتحادية؛ فهذه الأربعة أنواعٍ من التوحيد جاءت الرسل بإبطالها، ودلَّ على بطلانها العقل والنقل.
فأمَّا توحيد الفلاسفة فهو إنكار ماهية الربِّ الزَّائدة على وجوده، وإنكار صفات كماله، وأنه لا سمع له ولا بصر، ولا قدرة ولا حياة، ولا إرادة ولا كلام، ولا وجه ولا يدين، وليس فيه معنيان متميزٌ أحدهما عن الآخر البتَّةَ. قالوا: لأنه لو كان كذلك لكان مركبًا، وكان جسمًا مؤلَّفًا، ولم يكن واحدًا من كل وجهٍ. فجعلوه من جنس الجوهر الفرد الذي لا يُحَسُّ
---------------
(¬١) الوضيعة: الخسارة. «النهاية في غريب الحديث» (٥/ ١٩٨).
(¬٢) الزَّغَل: الغش. كما تقدم (ص ٢١٤).

الصفحة 575