كتاب الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

ولا يُرى، ولا يتميز منه جانب عن جانب، بل الجوهر الفرد يمكن وجوده، وهذا الواحد الذي جعلوه حقيقة ربِّ العالمين يستحيل وجوده.
فلمَّا اصطلحوا على هذا المعنى في التوحيد وسمعوا قوله: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [البقرة: ١٦٢] وقوله: {وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ} [المائدة: ٧٥] نزَّلوا لفظ القرآن على هذا المعنى الاصطلاحي، وقالوا: لو كان له صفة أو كلام أو مشيئة أو علم أو حياة أو قدرة أو سمع أو بصر لم يكن واحدًا، وكان مركبًا مؤلَّفًا.
فسَمَّوْا أعظم التعطيل بأحسن الأسماء، وهو التوحيد، وكَسَوْه ثوبه، وسمَّوا أصح الأشياء وأحقها بالثبوت ـ وهو صفات الربِّ، ونعوت كماله ـ بأقبح الأسماء، وهو التركيب والتَّأليف. فتولَّد من بين هذه التسمية المنكرة للمعنى الصحيح وتلك التسمية الصحيحة للمعنى الباطل جحدُ حقائق أسماء الربِّ وصفاته، بل وجحدُ ماهيته وذاته، وتكذيبُ رسله. ونشأ من نشأ على اصطلاحهم ـ مع إعراضه عن استفادة الهُدى والحق من الوحي ـ فلم يعرف سوى الباطل الذي اصطلحوا عليه، فجعله أصلًا لدينه؛ فلما رأى ما جاءت به الرُّسل يعارضه قال: إذا تعارض العقل والنقل قُدِّم العقل.
التوحيد الثَّاني: توحيد (¬١) الجهمية، وهو مشتقٌّ من توحيد الفلاسفة، وهو نفي صفات الربِّ، كعلمه وكلامه وسمعه وبصره وحياته وعلوِّه على عرشه، ونفي وجهه ويديه. وقُطْب رحى هذا التوحيد جحد حقائق أسمائه وصفاته.
---------------
(¬١) «توحيد» سقط من «ح»، وأثبته من «م».

الصفحة 576