كتاب الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

التوحيد الثَّالث: توحيد القدرية الجبرية، وهو إخراج أفعال العباد أن تكون فعلًا لهم، وأن تكون واقعة بكسبهم أو إرادتهم، بل هي نفس فعل الله، فهو الفاعل لها دونهم، ونسبتها (¬١) إليهم وأنهم فعلوها ينافي التوحيد عندهم.
التوحيد الرَّابع: توحيد القائلين بوحدة الوجود، وأن الوجود عندهم واحدٌ، ليس عندهم وجودان: قديم وحادث، وخالق ومخلوق، وواجب وممكن؛ بل الوجود عندهم واحدٌ بالعين. والذي يُقال: له الخَلْق المُشبَّه هو الحق المُنَّزه، والكل من عينٍ واحدةٍ، بل هو العين الواحدة.
فهذه الأنواع الأربعة سمَّاها أهل الباطل توحيدًا، فاعتصموا بالاسم من إنكار المسلمين عليهم، وقالوا: نحن الموحدون. ودعوا النَّاس إلى الباطل باسم التوحيد، فجعلوه جُنَّةً وتُرْسًا ووقايةً. وسَمَّوُا التوحيد الذي بعث الله به رسله وأنبياءه تركيبًا وتجسيمًا وتشبيهًا، وجعلوا هذه الألقاب له سهامًا وسلاحًا يُقاتلون بها أهله، فتترَّسوا بما عند أهل الحق من الأسماء الصحيحة، وقاتلوهم بالأسماء الباطلة، التي سَمَّوْا بها ما بعث الله به رسوله، فقاتلوهم باسم التركيب والتجسيم والتشبيه، وتترسوا منهم باسم التوحيد والتنزيه.
وقد قال جابر في الحديث الصحيح في حجة الوداع: «فأهلَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالتوحيد: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ» (¬٢).
فهذا توحيد الرَّسول المتضمن لإثبات صفات الكمال التي يستحق
---------------
(¬١) «ح»: «نسبتها». والمثبت من «م».
(¬٢) أخرجه مسلم (١٢١٨).

الصفحة 577