كتاب الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

عليها الحمد، ولإثبات الأفعال التي استحق بها أن يكون مُنعِمًا، ولإثبات القُدرة والمشيئة، والإرادة والتصرف، والغضب والرضا، والغنى والجود، الذي [ق ٥٨ أ] هو حقيقة ملكه. وعند الفلاسفة والجهمية والمعطلة لا حمد له في الحقيقة ولا نعمة ولا ملك.
والله يعلم أنَّا لم نُجازف في نسبة ذلك إليهم، بل هو حقيقة قولهم. فأي حمدٍ لمن لا يسمع ولا يُبصر، ولا يعلم ولا يتكلم، ولا يفعل، ولا هو في هذا العالم ولا خارج عنه، ولا متصل به ولا منفصل عنه، ولا فوقه ولا تحته، ولا عن يمنته (¬١) ولا عن يَسْرته. وأي نعمةٍ لمن لا يقوم به فعلٌ البتَّةَ، وأي مُلْكٍ لمن لا وَصْفَ له ولا فِعْلَ؟
فانظر إلى توحيد الرُّسل، وتوحيد من خالفهم! ومن العجب أنهم سَمَّوْا توحيد الرُّسل شركًا وتجسيمًا وتشبيهًا، مع أنه غاية الكمال، وسَمَّوْا تعطيلهم واتحادهم ونفيهم توحيدًا، وهو غاية النقص، ثم نسبوا أتباع الرسل إلى نقص الربِّ، وقد سلبوه كل كمالٍ، وزعموا أنهم أثبتوا له الكمال، وقد نزَّهوه عنه. فهذا توحيد الملاحدة والجهمية والمعطلة.
وأمَّا توحيد الرُّسل فهو إثبات صفات الكمال له سبحانه، وإثبات كونه فاعلًا بمشيئته وقدرته واختياره، وأن له فعلًا حقيقة، وأنه وَحْدَه الذي يستحق أن يُعبد ويُخاف ويُرجى ويُتوكل عليه، فهو المستحق لغاية الحب بغاية الذُّل. وليس لخلقه من دونه وكيلٌ ولا وليٌّ ولا شفيعٌ، ولا واسطةَ بينه وبينهم في رفع حوائجهم إليه، وفي تفريج كرباتهم، وإغاثة لهفاتهم، وإجابة
---------------
(¬١) «ح»: «يمينه». واللفظ غير منقوط في «م»، والمثبت هو الأنسب للسياق.

الصفحة 578