كتاب الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

أو أردتم بالجسم ما يُقال: أين هو؟ فقد سأل أعلم الخلق به عنه بأين (¬١) منبِّهًا على علوه على عرشه، وسمع السؤال بأين وأجاب عنه (¬٢)، ولم يقل هذا السؤال إنما يكون عن الجسم.
وإن أردتم بالجسم ما يلحقه «مِن» و «إلى» فقد نزل جبريل من عنده، ونزل كلامه من عنده، وعرج برسوله إليه، وإليه يصعد الكلم الطيب، وعنده المسيح رُفع إليه.
وإن أردتم بالجسم ما يتميز منه أمرٌ عن (¬٣) أمرٍ، فهو سبحانه موصوفٌ بصفات الكمال جميعها من السمع والبصر والعلم والقدرة والحياة، وهذه صفات متميزة متغايرة، ومن قال: إنها صفة واحدة، فهو بالمجانين أشبه منه بالعقلاء. وقد قال أعلم الخلق به: «أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَأَعُوذُ بِعَفْوِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ» (¬٤). والمستعاذ به غير المستعاذ منه. وأمَّا استعاذته - صلى الله عليه وسلم - به منه فباعتبارين مختلفين، فإن الصفة المستعاذ بها والصفة المستعاذ منها صفتان لموصوفٍ واحدٍ وربٍّ واحدٍ، فالمستعيذ بإحدى الصفتين من الأخرى مستعيذ بالموصوف (¬٥) بهما منه.
---------------
(¬١) أخرجه مسلم، وهو حديث الجارية، وقد تقدم تخريجه (ص ١٢٤).
(¬٢) يعني: حديث أبي رزين العقيلي - رضي الله عنه - لما سأل النبي (بقوله: «أين كان ربنا قبل أن يخلق السموات والأرض ... » الحديث. أخرجه أحمد (١٦٤٣٨، ١٦٤٥٠) والترمذي (٣١٠٩) وابن ماجه (١٨٢) وابن حبان (٦١٤٠) وقال الترمذي: «حديث حسن».
(¬٣) «ح»: «عين». والمثبت من «م».
(¬٤) أخرجه مسلم (٤٨٦).
(¬٥) «ح»: «من الموصوف». والمثبت من «م».

الصفحة 586