كتاب الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

الكريم ويديه ـ وكلتا (¬١) يديه يمين ـ اللتين يقبض سماواته بإحداهما والأرض بالأخرى (¬٢)، ورؤية وجهه الكريم في جنات عدن، ومحبته ورضاه، وفرحه بتوبة التَّائبين، ونزوله إلى سماء الدنيا حين يمضي شطر الليل، ومجيئه يوم القيامة لفصل القضاء بين الخلائق؛ لأسماءٍ سمَّوْها هم وسلفهم ما أنزل الله بها من سلطان، وألقابٍ وضعوها من تلقاء أنفسهم لم يأتِ بها سُنةٌ ولا قرآن، وشُبهاتٍ قذفت بها قلوب ما استنارت بنور الوحي، ولا خالطتها بشاشة الإيمان، وخيالاتٍ هي بتخيلات (¬٣) الممرورين (¬٤) وأصحاب الهَوَس (¬٥) أشبه منها بقضايا العقل والبرهان، ووهمياتٍ نِسْبَتُها إلى العقل الصحيح كنسبة السراب إلى الأبصار في القيعان، وألفاظٍ مجملةٍ ومعانٍ مشتبهةٍ قد لُبس فيها الحق بالباطل، فصار ذا خفاءٍ (¬٦) وكتمان.
فدعونا من هذه الدعاوي الباطلة التي لا تفيد إلَّا إتعاب الإنسان وكثرة الهذيان، وحاكمونا إلى الوحي والميزان، لا إلى منطق يونان، ولا إلى قول فلان ورأي فلان. فهذا كتاب الله ليس فوق بيانه مرتبة في البيان، وهذه سُنة رسوله مطابقة له أعظم من مطابقة البنان للبنان (¬٧). وهذه أقوال أعقل الأمم
---------------
(¬١) «ح»: «اللتين كلتا».
(¬٢) تقدم تخريجه.
(¬٣) «م»: «تخييلات».
(¬٤) يعني: المجانين، كما تقدم (ص ١٤١).
(¬٥) الهَوَسُ: طَرَفٌ من الجنون. «الصحاح» (٣/ ٩٩٢).
(¬٦) «ذا خفاء» تحرف في «ح» إلى: «داحضًا». والمثبت من «م».
(¬٧) «ح»: «البيان للبيان». «م»: «البيان للسان». ولعل المثبت هو الصواب.

الصفحة 596