كتاب الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

ولا يقال: هي ألفاظ لا تُعقَل معانيها ولا يُعرف المرادُ منها، فيكون ذلك مشابَهةً للذين لا يعلمون الكتاب إلَّا أمانيَّ. بل هي آياتٌ بيناتٌ دالةٌ على أشرف المعاني وأجلِّها، قائمة حقائقها في صدور الذين أُوتوا العلم والإيمان إثباتًا بلا تشبيهٍ، وتنزيهًا بلا تعطيلٍ، كما قامت حقائق سائر صفات الكمال في قلوبهم كذلك.
فكان الباب عندهم بابًا واحدًا، قد اطمأنت به قلوبهم، وسكنت إليه نفوسهم، فآنَسُوا من صفات كماله ونعوت جلاله بما استوحش منه الجاهلون المعطِّلون، وسكنت قلوبهم إلى ما نفر منه الجاحدون. وعلموا أن الصِّفات حُكمها حكمُ الذات، فكما أن ذاته سبحانه لا تُشبِه الذوات فصفاتُه لا تشبه الصِّفات. فما جاءهم من الصِّفات عن المعصوم تلقَّوْه بالقبول، وقابلوه بالمعرفة والإيمان والإقرار لعلمهم بأنه صفةُ مَن لا شبيهَ (¬١) لذاته ولا لصفاته.
قال الإمام أحمد: «إنما التشبيه أنِّي أقول (¬٢): يدٌ كَيَدٍ، أو وجهٌ كوجهٍ» (¬٣).
فأمَّا إثبات يدٍ ليست كالأيدي، ووجهٍ ليس كالوجوه، فهو كإثبات ذات ليست كالذوات، وحياةٍ ليست كغيرها من الحياة، وسمعٍ وبصرٍ ليس كالأسماع والأبصار.
---------------
(¬١) «ح»: «يشبه».
(¬٢) «ب»: «أن تقول».
(¬٣) أخرجه ابن بطة في «الإبانة الكبرى» (٧/ ٣٢٦) ... من رواية حنبل بن إسحاق عن الإمام أحمد، ونقله القاضي أبو يعلى في «إبطال التأويلات» (١/ ٤٣).

الصفحة 65