كتاب الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 2)

لا يلزم منها أن يكون الله بنفسه متكلِّمًا، ولا أنه يتكلم، فمن أين لكم ذلك؟ فقال له بعض من كان معي من أصحابنا: قد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا تَكَلَّمَ اللَّهُ بِالْوَحْيِ» (¬١). وقالت عائشة: «ولَشأني كان أحقر من أن يتكلم الله فيَّ بوحيٍ يُتلى» (¬٢). فرأيت الجهمي قد عَبَس وبَسَر وكَلَح (¬٣)، وزوى وجهه عنه، كالذي شمَّ رائحةً كريهةً أعرض عنها بوجهه، أو ذاق طعامًا كريهًا مُرًّا مذاقه.
وهذا أمرٌ (¬٤) لم يزل عليه كل مبطلٍ إذا واجهته بالحق المخالف له وصدمته به، وقلَّ من يتصبَّر منهم عند الصدمة الأولى. ولهذا قال بعض السلف (¬٥): «ما ابتدع أحدٌ بدعةً إلَّا خرجت حلاوة الحديث من قلبه».
وقال بعض رؤساء الجهمية ـ إمَّا بشر المريسي أو غيره (¬٦) ـ: «ليس شيءٌ أبغضَ لقولنا من القرآن، فأقِرُّوا به ثم أوِّلوه». وقال بشرٌ أيضًا (¬٧): «إذا احتجوا عليكم بالقرآن فغالطوهم بالتأويل، وإذا احتجوا بالأخبار فادفعوها بالتكذيب». وقال الإمام أحمد: «قلَّ من نظر في الكلام إلَّا وفي قلبه غلٌّ على الإسلام» (¬٨).
---------------
(¬١) تقدم (ص ٥٤ - ٥٥) تخريجه.
(¬٢) أخرجه البخاري (٢٦٦١) ومسلم (٢٧٧٠).
(¬٣) عَبَسَ يَعْبِس عبوسًا فهو عابس الوجه غضبان، فإن أبدى عن أسنانه في عبوسه قلت: كَلَح. وإن اهتمَّ لذلك وفكر فيه قلت: بَسَرَ. «العين» (١/ ٣٤٣).
(¬٤) «ح»: «أمره».
(¬٥) هو أحمد بن سنان القطان، كما في «ذم الكلام» للهروي (٢٢٩) و «شرف أصحاب الحديث» للخطيب البغدادي (ص ٧٣).
(¬٦) كذا نسبه ابن تيمية في «درء التعارض» (٥/ ٢١٧) لبشر أو غيره.
(¬٧) نقله عنه الإمام عثمان بن سعيد الدارمي في «النقض» (٢/ ٨٦٨).
(¬٨) «جامع بيان العلم وفضله» لابن عبد البر (٢/ ٩٣٩) و «تحريم النظر في كتب أهل الكلام» لابن قدامة (ص ٤١).

الصفحة 668