كتاب الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

وأورد (¬١) أهلُ الكتاب على قوله: {يَاأُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ اِمْرَأَ سَوْءٍ} [مريم: ٢٧] أن بين هارون وعيسى ما بينهما (¬٢)، وليس ظاهر القرآن أنه هارون بن عمران بوجهٍ. وكانوا يتعنتون فيما يوردونه على القرآن هذا ودونه (¬٣)، فكيف يجدون ما ظاهره إثبات ربٍّ شأنُه وهيئته ما ذكَره هذا الجهمي، ولا يصيحون به على رؤوس الأشهاد، ويُشنِّعون عليه بإثباته في كل حاضرٍ وبادٍ! فالقوم على شِركهم وشدةِ عداوتهم لله ورسوله كانوا أصحَّ أفهامًا (¬٤) من الجهمية الذين نسبوا ظاهر القرآن إلى هذه الصفة القبيحة، ولكنَّ الأذهان الغُلْف والقلوب العُمْيَ والبصائر الخُفَّاشية (¬٥) لا يكثر عليها أن تفهم هذا من ظاهر القرآن.
قال أنصارُ الله: ونحن نبيِّن أن هذه الصورة الشنيعة ليست (¬٦) ظاهرَ
---------------
(¬١) «ح»: «وأوردوا».
(¬٢) أخرج مسلم (٢١٣٥) عن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - قال: «لما قدمتُ نجران سألوني فقالوا: إنكم تقرؤون {يَاأُخْتَ هَارُونَ} وموسى قبل عيسى بكذا وكذا. فلما قدمتُ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سألتُه عن ذلك، فقال: إنهم كانوا يُسمُّون بأنبيائهم والصالحين قبلَهم».
(¬٣) «على القرآن هذا ودونه» ليس في «ب».
(¬٤) «ح»: «أذهانًا».
(¬٥) نسبة للخفاش؛ وذلك لأنه لا يكاد يبصر بالنهار. «المصباح المنير» (١/ ١٧٥). قال المصنِّف في «مفتاح دار السعادة» (٢/ ٨٥٧): «أصحابُ البصائر الضعيفة الخفاشية الذين نسبة أبصارهم إلى هذا النور كنسبة أبصار الخفاش إلى جرم الشمس، فهم تبعٌ لآبائهم وأسلافهم؛ دينهم دين العادة والمنشأ».
(¬٦) بعده في «ح»: «تفهم». والسياق لا يستقيم بها.

الصفحة 76