كتاب الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

القرآن من وجوهٍ:
أحدها: أنَّ الله سبحانه إنَّما قال: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [القمر: ١٤] وقال: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم ممَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا} [يس: ٧٠]. فدعوى الجهمي أن ظاهر هذا إثباتُ (¬١) أعين كثيرة وأيدٍ كثيرة فِرْيةٌ ظاهرة، فإنه إنْ دلَّ ظاهره على إثبات أعين كثيرة وأيدٍ كثيرة دلَّ على خالقينَ كثيرينَ؛ فإن لفظ الأيدي مضاف إلى ضمير الجمع، فادَّعِ أيها الجهمي أن ظاهره إثبات أيدٍ كثيرة لآلهةٍ متعددةٍ، وإلَّا فدعواك أنَّ ظاهره أيدٍ كثيرة لِذاتٍ واحدة خلاف الظاهر. وكذلك قوله: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [القمر: ١٤] إنما ظاهره بزعمك أعينٌ كثيرة على ذوات متعددة، لا على ذات واحدة.
الثاني: أن يقال لك: دعواك أن ظاهر القرآن إثبات أيدٍ كثيرة في جنبٍ واحدٍ كذبٌ آخر، فأين في ظاهر القرآن أن الأيدي في الجنب؟ وكأنك إنما أخذت هذا من القياس على بني آدم، فشبَّهتَ أولًا وعطَّلتَ ثانيًا. وكذلك جعْلك الأعينَ الكثيرة في (¬٢) الوجه الواحد ليس في ظاهر القرآن ما يدل على هذا، وإنما أخذتَه من التشبيه بالآدمي والحيوان. ولهذا قال بعض أهل العلم: «إن كل مُعطِّلٍ مشبِّهٌ، ولا يستقيم له التعطيل إلَّا بعد التشبيه».
الثالث: أن يقال: أين في ظاهر القرآن إثبات ساقٍ واحدٍ لله وجنبٍ واحدٍ؟ فإنه سبحانه قال: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ} [القلم: ٤٢] [ق ٩ أ] وقال: {أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اِللَّهِ} [الزمر: ٥٣] فعلى
---------------
(¬١) «إثبات» ليس في «ب».
(¬٢) «في» ليس في «ب».

الصفحة 77