كتاب الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

أو المراد بها (¬١) أن الربَّ تعالى يكشف عن ساقه (¬٢)؟ ولا يُحفَظ عن الصحابة والتابعين نزاعٌ فيما يُذكَر أنه من الصِّفات أم لا في غير هذا الموضع، وليس في ظاهر القرآن ما يدل على أن (¬٣) ذلك صفةٌ لله؛ لأنه سبحانه لم يُضِف السَّاق إليه، وإنما ذكره مجردًا عن الإضافة منكَّرًا. والذين أثبتوا ذلك صفةً كاليدين والإصبع لم يأخذوا ذلك من ظاهر القرآن، وإنما أثبتوه بحديث أبي سعيد الخدري المتفَق على صحته ـ وهو حديث الشفاعة الطويل ـ وفيه: «فَيَكْشِفُ الرَّبُّ عَنْ سَاقِهِ، فَيَخِرُّونَ لَهُ سُجَّدًا» (¬٤).
ومَن حملَ الآية على ذلك قال: قولُه تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى اَلسُّجُودِ} [القلم: ٤٢] مطابقٌ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «فَيَكْشِفُ عَنْ سَاقِهِ فَيَخِرُونَ لَهُ سُجَّدًا». وتنكيره للتعظيم والتفخيم، كأنه قال: يُكشف عن ساقٍ عظيمةٍ جلَّت عظمتُها وتعالى شأنُها أن يكون لها نظيرٌ أو مثيلٌ أو شبيهٌ.
قالوا: وحملُ الآية على الشدة لا يصح بوجهٍ؛ فإن لغة القوم في مثل ذلك أن يقال: كشفت الشدة (¬٥)، لا كشفت (¬٦) عنها. كما قال الله تعالى: {فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ اُلْعَذَابَ} [الزخرف: ٤٩]، وقال: {وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِم مِّن ضُرٍّ} [المؤمنون: ٧٦]. فالعذاب والشدة هو المكشوف لا المكشوف عنه.
---------------
(¬١) «ح»: «به».
(¬٢) ينظر «الدر المنثور» (١٤/ ٦٤٢ - ٦٤٨).
(¬٣) بعده في «ح»: «بعد».
(¬٤) أخرجه البخاري (٤٩١٩) ومسلم (١٨٣).
(¬٥) بعده في «ح»: «عن القدم». وبعده في «م»: «عن القوم».
(¬٦) «ب»: «كشف».

الصفحة 83