كتاب الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

وقد احتجَّ السلف على إثبات العينينِ له سبحانه بقوله: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [القمر: ١٤]. وممَّن صرَّح بذلك إثباتًا واستدلالًا أبو الحسن الأشعري في كُتبه كلِّها، فقال في «المقالات» و «الموجز» و «الإبانة» وهذا لفظه فيها: «وجملة قولنا: أن نُقِر بالله وملائكته وكتبه ورُسله (¬١) ... ». إلى أن قال: «وأن الله مستوي على عرشه، كما قال: {اَلرَّحْمَنُ عَلَى اَلْعَرْشِ اِسْتَوى} [طه: ٤] وأن له وجهًا، كما قال: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو اُلْجَلَالِ وَاَلْإِكْرَامِ} [الرحمن: ٢٥]، وأن له يدينِ، كما قال: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة: ٦٦]، وقال (¬٢): {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: ٧٤]، وأن له عينين بلا كيفٍ، كما قال: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [القمر: ١٤]» (¬٣).
فهذا الأشعري والناس قبله وبعده [ق ١٠ أ] ومعه لم يفهموا من الأعين أعينًا كثيرةً على وجهٍ، ولم يفهموا من الأيدي أيديًا كثيرةً على شِقٍّ واحدٍ، حتى جاء هذا الجهمي فعضَهَ القرآن، وادَّعى أن هذا ظاهره، وإنما قصد هذا وأمثاله التشنيعَ على مَن بدَّعه وضلَّله من أهل السُّنَّة والحديث. وهذا شأن الجهمية في القديم والحديث، وهُم بهذا الصنيع على الله ورسوله وكتابه يشنِّعون {وَقُلِ اِعْمَلُوا فَسَيَرَى اَللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَاَلْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ اِلْغَيْبِ وَاَلشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [التوبة: ١٠٦].
فما ذنبُ أهل السُّنَّة والحديث إذا نطقوا بما نطقت به النصوص، وأمسكوا عمَّا أمسكتْ عنه، ووصفوا الله بما وصف به نفسَه ووصفه رسولُه،
---------------
(¬١) «ح»: «ورسوله».
(¬٢) «قال» ليس في «ح».
(¬٣) «الإبانة» (ص ٢١ - ٢١) بتصرف.

الصفحة 87