كتاب الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

وردُّوا تأويل الجاهلين، وانتحال المبطلِين الذين عقدوا ألوية الفتنة، وأطلقوا أَعِنَّة المحنة، وقالوا على الله وفي الله بغير علمٍ؛ فردوا باطلهم وبيَّنوا زيفهم، وكشفوا إفكهم، ونافحوا عن الله ورسوله؛ فلم يقدروا على أخذ الثأر منهم إلَّا بأن سمَّوهم مشبِّهةً ممثِّلةً مجسِّمة حشويةً.
ولو كان لهؤلاء عقولٌ لَعلموا أن التلقيب بهذه الألقاب ليس لهم، وإنما هو لمن جاء بهذه النصوص، وتكلَّم (¬١) بها، ودعا الأُمة إلى الإيمان بها ومعرفتها (¬٢)، ونهاهم عن تحريفها وتبديلها. فدَعُوا التشنيع بما تعلمون ـ أنتم وكلُّ عاقلٍ منصفٍ ـ أنه كذبٌ ظاهرٌ، وإفكٌ مفترًى، لا يُعلَم به قائل يُناظر عن مقالته. فهل تدفعون عن أنفسكم التعطيلَ ونفْيَ حقائق صفات الكمال عن ربِّ العالمين، وأنها مجازٌ لا حقيقة لها، وأن ظاهرها كفرٌ وتشبيهٌ وإلحادٌ؟ فلو كان خصومكم كما زعمتم ـ وحاشاهم ـ مشبِّهةً ممثلةً مجسمةً لكانوا أقلَّ تنقصًا لربِّ العالمين وكتابِه وأسمائه وصفاته منكم بكثيرٍ كثيرٍ، لو كان قولهم يقتضي التنقصَ (¬٣)، فكيف وهو لا يقتضيه! ولو صرَّحوا به فإنهم يقولون: نحن أثبتْنا لله غاية الكمال ونعوت الجلال، ووصفناه بكل صفة كمالٍ، فإن لزم من هذا تجسيمٌ أو تشبيهٌ (¬٤) لم يكن هذا نقصًا ولا عيبًا ولا ذمًّا بوجهٍ من الوجوه، فإن لازم الحقِّ حقٌّ، وما لزم من إثبات كمال الربِّ ليس بنقصٍ. وأمَّا أنتم فنفيتم عنه صفات الكمال، ولا ريب أن لازم هذا النفي وصفه
---------------
(¬١) «ب»: «وتكلموا».
(¬٢) «ح»: «وبمعرفتها».
(¬٣) «ح»: «التنقيص».
(¬٤) «ب»: «تجسيمًا أو تشبيهًا».

الصفحة 88