كتاب الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

الوجه الحادي عشر: لفظ اليد جاء في القرآن (¬١) على ثلاثة أنواع: مفردًا ومثنًّى ومجموعًا. فالمفرد كقوله: {بِيَدِهِ اِلْمُلْكُ} [الملك: ١]، والمثنى كقوله: {خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: ٧٤]، والمجموع كقوله: {عَمِلَتْ أَيْدِينَا} [يس: ٧٠]. فحيث ذكر اليدَ مثناةً أضاف الفعل إلى نفسه بضمير الإفراد، وعدَّى الفعل (¬٢) بالباء إليهما، فقال: {خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: ٧٤]. وحيث ذكرها مجموعة أضاف العمل إليها، ولم يُعدِّ الفعل بالباء، فهذه ثلاثة (¬٣) فروق. فلا يحتمل {خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: ٧٤] من المجاز ما يحتمله {عَمِلَتْ أَيْدِينَا} [يس: ٧٠]، فإن كل أحدٍ يفهم من قوله {عَمِلَتْ أَيْدِينَا} [يس: ٧٠] ما يفهمه من قوله: عَملْنا وخلَقْنا، كما يفهم ذلك من قوله: {فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} (¬٤) [الشورى: ٢٨]. وأمَّا قوله: {خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: ٧٤] فلو كان المراد منه مجرد الفعل لم يكن لذِكر اليد بعد نسبةِ الفعل إلى الفاعل معنًى، فكيف وقد دخلت عليها الباءُ، فكيف إذا ثُنِّيت؟!
وسِرُّ الفرق أن الفعل قد يُضاف إلى يد ذي اليد، والمراد الإضافة إليه كقوله: {بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ} [الحج: ١٠]، {فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى: ٢٨]. وأمَّا إذا أُضيف إليه الفعل، ثم عُدِّي بالباء إلى يده مفردةً أو مثناةً، فهو ما باشرته يدُه. ولهذا قال عبد الله بن عمرو: «إن الله لم يخلق بيده إلَّا ثلاثًا:
---------------
(¬١) «ب»: « ... عشر أن القرآن جاء في اليد».
(¬٢) «الفعل» ليس في «ب».
(¬٣) في النسختين: «ثلاث». والمثبت من «م».
(¬٤) كُتبت الآية في النسختين في هذا الموضع والذي يليه بغير فاء.

الصفحة 92