كتاب سحر البلاغة وسر البراعة

الخسة مع الثروة
والاقتصار من الانعام والأفضال على التنعم والتجمل
وجمع المال وترك التطول
فلان سمين المال، مهزول النوال. عظيم الرواق، صغير الأخلاق. يصون فلسه، ويبذل نفسه. الدهر يرفعه، ونفسه تضعه. ثروة في الثريا، وهمة في الثري. لا يكدح إلا لتطييب الطعم، وتنعيم الجسم، ثم يرى المكارم، من المحارم. قد وفر همه على مطعم يجوده، وملبس يجدده، ومرقد يمهده، وبنيان يشيده، ثم ينجده، فما يشد للمكارم رحلاً، ولا يحمل للفضل كلا، همه أن يتشبع ويتضلع، ويكتسي ويتمشقع، ويتجلل ويتبرقع، ويتربع ويترفع، وقصاراه أن ينصب تخته، ويوطئ استه دسته، وحسبه من الشرف أن يصهرج أرضها، ويزبرج بعضها، ويكفيه من الكرم أن تعدو الحاشية أمامه، وتحمل الغاشية قدامه، ويجزيه من الفضل ألفاظ فقاعية، وثياب مشقاعية. يلبسها ملوماً، ويحشوها لوماً. ما اتسعت دورهم، إلا ضاقت صدورهم، ولا أوقدت نارهم، إلا انطفأ نورهم، ولا هملجت عتاقهم، إلا قطفت أخلاقهم، ولا صلحت أحوالهم، إلا فسدت أفعالهم، ولا كثر مالهم، إلا قل جمالهم.
القلة والذلة
ريح صيف، وطارق طيف. فوته غنيمة، والظفر به هزيمة. هو العود المركوب، والزند المضروب، يطأه الخف والحافر، ويستضيمه الوارد والصادر. هو كالعصفور إن تركته فات، وإن قبضت عليه مات. يغمض عن الذكر، ويصغر عن الفكر. ذلة لا توسم أغفالها، وضعة لا تنفرج أقفالها. نهزة الطالب، وفرصة المغالب، وعرضة القاذف والحاذف. أقل من تنبه، في

الصفحة 78