كتاب صفات رب العالمين - ابن المحب الصامت - ناقص (اسم الجزء: 2)

أنَّه قال: تأتي قُدْرَتُهُ. قال: وهذا على حَدِّ الوَهْمِ مِنْ قَائِلِهِ، وخطأ في إضافته إليه» (¬١).
الْقَوْلُ الثَّانِي: إنه قالها في المناظرة لهم يوم المحنة إلزامًا لهم على قولهم، فالجهمية تؤول صفة المجيء والإتيان بمجيء أمره، قال تعالى: {أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ} [الأنعام: ١٥٨]، قال الجهمية: أي يأتي أمر ربك. وقال تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ} [الفجر: ٢٢] قال الجهمية: أي وجاء أمر ربك. قالت الجهمية: لأن المجيء لا يكون إلَاّ لمخلوق، ودل الحديث على أن البقرة وآل عمران تجيئان يوم القيامة، فالقرآن مخلوق.
فألزمهم أحمد بقولهم، قال لهم: أنتم تتمسكون بتأويل في شأنكم كله، إذا كنتم تقولون: يأتي أمر ربك. جاء أمر ربك. فقولوا بأن مجيء البقرة وآل عمران هو مجيء ثوابهما، لا مجيء القرآن ذاته.
الْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّهُمْ جَعَلُوا هَذَا رِوَايَةً عَنْ أَحْمَد، وَقَدْ يَخْتَلِفُ كَلَامُ الْأَئِمَّةِ فِي مَسَائِلَ مِثْلِ هَذِهِ، لَكِنَّ الصَّحِيحَ الْمَشْهُورَ عَنْهُ رِدُّ التَّأْوِيلِ (¬٢). .
لكن لا يثبت هذا التأويل عن أحمد، وعلى التسليم: هو من باب إلزام الخصم بقوله. فلا يصح أن يجعل التأويل قولا ثانيا لأحمد.
أما ما ذُكر عن الأوزاعي: روي بصيغة التضعيف مما يدل على ضعفه، وعلى فرض صحته، فهو كلام عام، يدل على أنه الله يفعل ما يشاء، والنزول من أفعال الله - سبحانه وتعالى -، وهو مثل قول إسحاق ابن راهويه حين قال الجهمي له: (كَفَرْتُ بِرَبٍّ يَنْزِلُ مِنْ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ)، فقال ابن راهويه: (آمَنْتُ بِرَبٍّ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ) (¬٣). فكلام الأوزاعي ليس فيه تأويل، وقد قال الأوزاعي: "كُنَّا - وَالتَّابِعُونَ مُتَوَافِرُونَ - نَقُولُ: إنَّ اللهَ -تَعَالَى- فَوْقَ عَرْشِهِ، وَنُؤمِنُ بِمَا وَردَتْ بِهِ السُّنَّةُ مِنْ
_________
(¬١) فتح الباري شرح صحيح البخاري، لابن رجب (٦/ ٥٣٤).
(¬٢) مجموع الفتاوى، لابن تيمية (٨/ ٤٠٨) (١٦/ ٤٠٤) بتصرف.
(¬٣) الأسماء والصفات للبيهقي (٩٥١). وسيأتي بتمامه [١٠٦٩].

الصفحة 45