كتاب صفات رب العالمين - ابن المحب الصامت - ناقص (اسم الجزء: 2)

نزوله خُلُوُّ العرش منه، فلا يجوز أن يعترض على النُّزول بأنَّه يَلْزَمُ مِنْهُ خُلُوُّ العرش (¬١).
قال أحمد بن محمَّد البَرْدَعِيُّ التَّميميُّ (¬٢): لَمَّا أشكل على مُسَدَّدِ بن مسرهد (¬٣) أَمْرُ السُّنَّة، وما وقع فيه النَّاس من القَدَر، والرَّفض، والاعتزال، والإرجاء، وَخَلْقِ القرآن، كتب إلى أحمد بن حنبل: أن أكتب إليَّ سُنَّةَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فَكَتَبَ إليه: بسم الله الرَّحمن الرَّحيم، أمَّا بعد .. ثمَّ ذكر فيها: وينزل الله إلى السَّماء الدُّنيا ولا يخلو منه العرش (¬٤).
وطعن بعضهم في هذه الرسالة وقالوا: راويها عن أحمد بن حنبل مجهول لا يعرف (¬٥)، فأجاب شيخ الإسلام: (هي مشهورة عند أهل الحديث والسنة من أصحاب أحمد وغيرهم، تلقوها بالقبول) (¬٦).
أدلة أصحاب هذا القول:
١ - أن العلو صفة ذاتية لله تعالى، فلا يكون دائما إلا عاليا، وأن خلو العرش يلزم منه أن يكون الرب - عز وجل - في وقت نزوله ليس عاليا.
٢ - أن كرسيه - سبحانه وتعالى - وسع السموات والأرض، قال تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [البقرة: ٢٥٥]، وقال تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر: ٦٧] فمن هذه عظمته - عز وجل - كيف يحصره مخلوق، سماء أو غيرها، حتى يقال: إنه إذا نزل - سبحانه وتعالى - يخلو منه العرش، أو يصير
_________
(¬١) شرح حديث النزول، لابن تيمية (ص ٤١).
(¬٢) أحمد بن محمَّد البَرْدَعِيُّ مجهول، لا يعرف في أصحاب أحمد من اسمه أحمد بن محمَّد. ينظر: شرح حديث النزول، لابن تيمية (ص ٤٤).
(¬٣) مُسَدَّدُ بنُ مُسَرْهَدِ بنِ مُسَرْبَلٍ الأَسَدِيُّ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، الحُجَّةُ، أَبُو الحَسَنِ الأَسَدِيُّ، البَصْرِيُّ، أَحَدُ أَعْلَامِ الحَدِيْثِ. وُلِدَ سنة (١٥٠ هـ)، وتوفي سنة (٢٢٨ هـ). سير أعلام النبلاء (١٠/ ٥٩١).
(¬٤) شرح حديث النزول، لابن تيمية (ص ٤٤).
(¬٥) شرح حديث النزول، لابن تيمية (ص ٤٠)، وكتب د. عبد العزيز الحميدي دراسة عن رسالة مسدد، وشكك في نسبتها إليه، انظر: براءة الأئمة الأربعة من مسائل المتكلمين (ص ١٠٠).
(¬٦) شرح حديث النزول، لابن تيمية (ص ٥٤).

الصفحة 54