كتاب صفات رب العالمين - ابن المحب الصامت - ناقص (اسم الجزء: 2)
هَذِهِ اللَّيْلَةَ، يَرْحَمُهُ اللَّهُ؟» فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: ضَيْفُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَا تَدَّخِرِيهِ شَيْئًا، قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا عِنْدِي إِلَّا قُوتُ الصِّبْيَةِ، قَالَ: فَإِذَا أَرَادَ الصِّبْيَةُ العَشَاءَ فَنَوِّمِيهِمْ، وَتَعَالَيْ فَأَطْفِئِي السِّرَاجَ وَنَطْوِي بُطُونَنَا اللَّيْلَةَ، فَفَعَلَتْ، ثُمَّ غَدَا الرَّجُلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «لَقَدْ عَجِبَ اللَّهُ - عز وجل - أَوْ ضَحِكَ - مِنْ فُلَانٍ وَفُلَانَةَ» فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عز وجل -: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: ٩] (¬١).
وجه الدلالة من الأحاديث:
لقد أثبتت الأحاديث صفة الضَّحك لله تعالى (¬٢)، ولا يلزم من إثباتها أي محذور، وليس فيه أي تشبيه لله بخلقه، خصوصًا وقد مدح الله نفسه بها، ولا يتصور التَّشبيه إلَاّ من لم يعرف الحقَّ، ولم يطلع على مذهب السلف؛ ذلك أنَّها صفات تليق بالله - عز وجل - وكما لا نَعْرِفُ ذاته، فكذلك لا نعرف كيفية صفاته (¬٣).
فكما أنَّ النطق صفة كمال، فكذلك الضحك صفة كمال، فمن يتكلم أكمل ممَّن لا يتكلم، ومن يضحك أكمل ممن لا يضحك، وإذا كان الضحك فينا مستلزمًا لشيء من النقص فالله منزه عن ذلك، وذلك الأكثر مختصٌّ لا عامٌّ، فليس حقيقة الضَّحك مطلقًا مقرونة بالنقص، كما أن ذواتنا وصفاتنا مقرونة بالنَّقص، ووجودنا مقرون بالنَّقص، ولا يلزم أن يكون الرب موجدًا وألا تكون له ذات (¬٤).
قال ابن خُزَيْمَةَ: بَابُ ذِكْرِ إِثْبَاتِ ضَحِكِ رَبِّنَا - عز وجل - بِلَا صِفَةٍ تَصِفُ ضَحِكَهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، لَا وَلَا يُشَبِّهْ ضَحِكَهُ بِضَحِكِ الْمَخْلُوقِينَ، وَضَحِكُهُمْ كَذَلِكَ، بَلْ نُؤْمِنُ بِأَنَّهُ يَضْحَكُ، كَمَا أَعْلَمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَنَسْكُتُ عَنْ صِفَةِ ضَحِكِهِ جَلَّ وَعَلَا، إِذِ اللَّهُ - عز وجل - اسْتَأْثَرَ بِصِفَةِ ضَحِكِهِ، لَمْ يُطْلِعْنَا عَلَى ذَلِكَ،
_________
(¬١) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، باب قوله: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ} [الحشر: ٩] الآية (٦/ ١٤٨) (٤٨٨٩).
(¬٢) حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح، لابن القيم (ص ٢٨٥)، إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة، التويجري (٣/ ٢٩٦).
(¬٣) فرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام وبيان موقف الإسلام منها، د. غالب بن علي عواجي (٣/ ١٢٨٤).
(¬٤) الرسالة الأكملية في ما يجب لله من صفات الكمال، لابن تيمية (ص ٥٥).
الصفحة 98
851