الرد على المبتدعة، كبدعة خلق القرآن والوقف والقدر وصفة العلو وغيرها، بل كان السكوت عن بدعة القول بخلق القرآن وغيرها آنذاك: غير محمود، فالأئمة لم يبتدؤوا الخوض في هذه المسائل، ولا يرتضون الخوض فيها، إنما تكلموا فيها في معرض الرد على المبتدعة من أجل بيان الحق.
أخرج الآجري: حَدَّثَنَا ابْنُ مَخْلَدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ يَسْأَلُ: هَلْ لَهُمْ رُخْصَةٌ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ: الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ، ثُمَّ يَسْكُتُ؟ فَقَالَ: وَلَمْ يَسْكُتْ؟ لَوْلَا مَا وَقَعَ فِيهِ النَّاسُ كَانَ يَسَعُهُ السُّكُوتُ، وَلَكِنْ حَيْثُ تَكَلَّمُوا فِيمَا تَكَلَّمُوا، لِأَيِّ شَيْءٍ لَا يَتَكَلَّمُونَ؟ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ (¬1): مَعْنَى قَوْلِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي هَذَا الْمَعْنَى يَقُولُ: لَمْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ الْإِيمَانِ أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى؟ فَلَمَّا جَاءَ جَهْمُ بْنُ صَفْوَانَ فَأَحْدَثَ الْكُفْرَ بِقَوْلِهِ: "الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ"، لَمْ يَسَعِ الْعُلَمَاءَ إِلَّا الرَّدُّ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرَ مَخْلُوقٍ بِلَا شَكٍّ، وَلَا تَوَقُّفٍ فِيهِ، فَمَنْ لَمْ يَقُلْ غَيْرَ مَخْلُوقٍ سُمِّيَ وَاقِفِيًّا، شَاكًّا فِي دِينِهِ (¬2).
الرأي الراجح:
الصَّواب هو القول الثَّاني بأنَّه - سبحانه وتعالى - لا يزال فوق العرش، ولا يخلو العرش منه، مع دنوِّه ونزوله إلى السماء الدنيا، ولا يكون العرش فوقه (¬3)؛ لما يأتي:
1 - أنَّ الله - عز وجل - على كلِّ شيء قدير.
2 - القول بأنَّه يخلو منه عرشه فيه تشبيه بالمخلوقات، والله - سبحانه وتعالى - ليس كمثله شيء.
3 - هذا القول هو المأثور عن سلف الأمَّة وأئمَّتها.
¬_________
(¬1) هو الآجري نفسه.
(¬2) الشريعة للآجري (187) إسناده صحيح. ابن مَخْلَدٍ: هو مُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدِ بنِ حَفْصٍ أَبُو عَبْدِ اللهِ الدُّورِيُّ العَطَّارُ، قال الدارقطني: ثقة مأمون. سير أعلام النبلاء (15/ 256).
(¬3) شرح حديث النزول لابن تيمية (ص 66).