كتاب صفة جزيرة العرب

الفرك، واللوز الفرك والحلو منه والمر والكمثرى، وقد وفد إلى صنعاء قدمة، وبها الورد والباقلاء الأخضر ولا يتركونه يبلغ، وجميع أصناف البقول، وجميع الحبوب. والقدر به لها رائحة وللخبز بها رائحة عجيبة شهية تشمُّ من بعد وكذلك القدور وكيزان الماء من الفخار لها عند مباشرة الماء، وهي جدد رائحة طيبة مقوية للروح وترد إلى المغشيِّ عليه نفسه وهذه الثلاثة الأرواح لا يشاركها فيها شيء من البلاد. ثم إذا طبخ اللحم بالخل وأنزلت القدر بها مغطاة شهراً أو شهرين ثم أتيت بعد هذه المدة فتجده جامداً فأسخنته فتظهر فيه رائحة يومه، وهذا لا يكون إلا بصنعاء، وقد خبر بذلك جماعة، منهم إبراهيم بن الصَّلت طبخ قدراً له وكان عزباً، فلما كملت وكلت نارها عزم على الغداء فهو كذلك حتى أتاه رسول أبي يعفر إبراهيم بن محمد بن يعفر، فاتبعه من ساعته إلى شبام فلما وصله أمره بالمضي إلى مكة وكان أحد الطرادين وأمر له بناقة وزاد، ودفع إليه كتباً يوصلها بوالي مكة فمضى إلى مكة وأقام حتى خرج جوابه وعاد إلى شبام، فأوصل جوابه ثم صرف إلى منزله. قال: فدخلت وأنا جائع فنظرت إلى ذلك القدر على الأثافي وإلى ذلك الخبز قد يبس في منديله. قال فكسرت من الخبز شيئاً في قصعة وأحررت ذلك القدر ونكبته على ذلك الخبز حتى تشرَّبه فكان كقدر أسخنته يوم ثالث، وذلك بعد شهر وكسر. وكان الحاج يأكلون سفرهم طرية الخبز ويابسة غير متغيرة من صنعاء إلى كتنة، وإلى أبعد وكنت أنظر إلى التجار إذا حملناهم إلى مكة من صعدة يأكلون سفرهم طرية إلى نصف الطريق ويابسة تدق وتطرأ إلى مكة، وكنا نحن نستعمل في أسفارنا خبز الملة والسن واللحم والكشك والمهَّاد، ونرى أن خبز السفرة إذا فتَّ من وعثاء السفر، وقال لي أبي رحمه الله تعالى: سألني رجل ببغداد بماذا تأدمون في أسفاركم؟ قلت: بالسمن، قال: أبا السمن؟ قال قلت: وما للسمن؟ قال هو ضرب من السمِّ، قال قلت: أما والله لو ذقت البرطي

الصفحة 197