كتاب صفة جزيرة العرب

أنّ سعد بن معاذ أو المقداد بن عمرو قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوجه إلى بدر: لن نقول لك يا رسول الله كما قالت بنو إسرائيل لنبيِّها عليه السلام اذهب أنت وربك فقاتلا، إنا ههنا قاعدون، بل اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون والله لو اعترضت بنا ماء البحر لخضناه أو قصدت بنا برك الغماد لقصدناه. وفي الحديث أن أبا الدرداء قال لو أعيتني آية من كتاب الله عز وجل فلم أجد أحداً يفتحها عليَّ الأرجل ببرك الغماد لرحلت إليه وهو أقصى حجر باليمن، ذكر برك الغماد، ثم ذكر موضعه من قصور اليمن، قال أبو محمد: قد ذكر برك الغماد محمد بن أبان بن حريز الخنفري وهو في بلد الخنفريين بناحية حنوي منعج فقال:
فدع عنك من أمسى بغور محلها ... ببرك الغماد فوق هضبة بارح
هذه مواضع في منقطع الدُّمينة وعزازة من سفلى المعافر، البرك حجارة مثل حجارة الحرة خشنة وعثة متعاضة يصعب المسلك فيها.
ذكر ما أتى من الشعر جامعاً لكثير من مساكن العرب ومسالكها مما تناهي إلينا وسمعناه، وذلك قليل من كثير مما يعلمه العرب لأنه في خصائص من المواضع، فأما ما أتى من الشعر على الإفراد في أجزاء هذه الجزيرة، والعموم بها فما لا يحيط به أحد ولا يقدر على جمعه واستيعابه، لأن كل شاعر قد ذكر من مواضع الدَّمن والأطلال ومواقع الغيث ومنابت الكلأ ما لم يذكره غيره إلا الخطاء، فمن ذلك قول الأخنس بن شهاب التغلبي يذكر بعض منازل العرب من هذه الجزيرة:
لكل أماس من معد عمارة ... عروضٌ إليها يلجأون وجانب
لكيز لها البحران والسيف كله ... وإن يأتها بأس من الهند كارب
السيف ضفة البحرين، ولكيز بن أفصى بن عبد القيس، ويريد بالهند هاهنا السند، ويقال البصرة، وكان صقعها تسميّه العرب قديماً بهذا الاسم.

الصفحة 204