كتاب الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب ومنهجه في مباحث العقيدة

ولا نستطيع أن ندرك عظم هذا الأثر إلا إذا استحضرنا في أذهاننا إلي أي حد شهدت القرون المتأخرة تحكم المذاهب في اتباعها واستسلام العقول لمقررات المذاهب باعتبارها فوق البحث والمناقشة" حتى فشت فاشية التعصب المذهبي فوجدنا من يقولون بوجوب تقليد إمام من الأئمة فإذا ما قلده وجب عليه ألا يتحول عن أحكام مذهبة لا في كثير ولا في قليل1 ".وهو ما عرضنا له في الباب الثاني.
ولعله مما يستلفت الانتباه أنه ما من عالم أو مفكر من علماء الإسلام في القرن الثامن عشر ميلادي وما سبقه رضي للنفسه أو رضي له محبوه أن يذكر مجردا من انتمائه المذهبي. فيقال: فلان.. المالكي أو الشافعي أو الحنبلي. ودلالة ذلك واضحة: أنها تدل على قداسة المذاهب حتى غدا دينا يتسمى به أتباعه..حتى جاء محمد بن عبد الوهاب فجرد المذاهب من هذه القداسة المدعاة لها، ومنذ ظهرت دعوته بدء علماء يحررون أسمائهم ونسبتهم من ذكر المذاهب، فأصبح الباحث يجد بين يديه الكثير من المفكرين الذين لا يعتبرون هذا الانتساب مما يتعين إظهاره والتعريف به. ثم بدأ العلماء يحررون أفكارهم من التقيد بمذهب واحد "2.
__________
(1) محمد أحمد فرج السنهوري، أحكام الوصية الواجبة، محاضرات بالدراسات العليا بحقوق القاهرة عام 1972. ص61
(2) كان التقيد بالمذهب قد أصبح طابع الدولة العثمانية تأخذ الولاة والقضاة به، وأصدر السلطان العثماني أوامره باعتبار المذهب الحنفي مذهب الدولة، وصدر تقنين للأحكام وفق هذا المذهب سمي باسم: مرشد الحيران. ولما صدرت في مصر لائحة ترتيب المحاكم
الشرعية نص فيها على الالتزام بالراجح من مذهب أبي حنيفة. ولم يكن أحد الفقهاء يجرؤ على علاج موضوع إلا من خلال هذا المذهب. وعندما دعت الحاجة إلى وضع قانون الوصية عام 1946مـ تبين للجنة المشكلة من علماء الأزهر وأعضاء مجلس البرلمان أن المذهب الحنفي وسائر المذاهب الأربعة لأهل السنة ليس في مصنفاتها ما يسد الحاجة في خصوص الوصية الواجبة لأهل الميت من غير ورثته الشرعيين والمنصوص عليها بأية الوصية في سورة البقرة وهي قوله تعالى (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت ان ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين) وتحت ضغط الحاجة رأت اللجنة أن تأخذ بغير ما ورد في المذاهب الأربعة بل وأن تأخذ بما ورد في فقه الشيعة والخوارج توصلا لتقرير وصية واجبة لأبناء المتوفى الذين توفى أبوهم في حياة جدهم، وكان إجماع المذاهب=

الصفحة 224