كتاب الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب ومنهجه في مباحث العقيدة

بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (1) .
أما كيف وصل العالم الإسلامي في تدنيه إلى هذه الهاوية المظلمة فلأنه أصيب أول ما أصيب في واسطة العقد من هذه الحقائق الخمس الكلية وهي المتعلقة بالمساواة الإنسانية وما يترتب عليها من تماسك بناء الأمة ما دام أفرادها كأسنان المشط أقدارهم واحدة وأمرهم شورى ومصيرهم إلى الله.
ومن هذه الثغرة بدأ الشيطان التفافه حول كليات الإسلام. سول لبني أمية وأملى لهم أن ينتزعوا الأمر انتزاعا ثم عملوا على استدامته باذكاء العصبية العربية، حتى إذا جاء العباسيون على أنقاض هذه العصبية بعد أن يئسوا من تأييدها لهم استزادوا من خلق العصبيات وإثارة التنافس بينها بدلا من أن يعملوا على إحياء روح الاسلام القائمة على المساواة الإنسانية ومن هنا أخذت الدولة العباسية"في الانحطاط بتغلب الأتراك والديلم ولم تزل منحطة فليس للخلفاء آخر الأمر إلا الأسم فقط حتى ظهرت فتنة التتر ... وخرج هولاكو خان وملك بغداد وقتل الخليفة المستعصم (2) .
ودام تمزق الدار الإسلامية إلى أن استولى الأتراك العثمانيون على السلطة ونقلوا الخلافة من بني العباس إليهم وتلقبوا بألقاب الخلفاء في القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي) وبدا أن روحا جديدة تدب في العالم الاسلامي باكتمال النصر لفاتحي القسطنطينية التي استعصت على سائر الدول الإسلامية قبلهم. ولكن سرعان ما تبين أنهم كغيرهم.
صفحة في كتاب التسلط والقهر الخالي من الحضارة والمضمون.
" صحيح أن الأتراك العثمانيين أعادوا للإسلام وحدة الدولة على معظم الدار الإسلامية لكنهم لم يعيدوا إليه وحدة الأمة وظلت الشعوبية تعمل عملها في الكيان الإسلامي فبالنسبة للبلاد العربية لم يكن من رابطة بينها وبين الدولة العثمانية إلا.. حقيقة الاستيلاء بالقوة الحربية " (3) ولا ينكر أن الإسلام قد
__________
(1) سورة آل عمران: آية 110
(2) الجبرتي: عجائب الآثار والتراجم والاخبار. ت حسن محمد جوهر السرنجاوي ج1 ص: 47.
(3) د. محمد ضياء الدين الريس: تاريخ الشرق العربي والخلافة العثمانية ص: 8

الصفحة 45