كتاب الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب ومنهجه في مباحث العقيدة

اعتز بالأتراك كقوة حربية " ولكن قد سيئ التصرف بهذه القوة حتى جنت على الاسلام جنايات هائلة (1) "فقد أمعن الأتراك في استنزاف طاقات الشعوب الخاضعة لهم بحيث أصبح الشرق العربي " أسيرا في سجن الدولة العلية مغلوبا على أمره مرهقا مكدودا.. فقد كانت قاعدتها أنها تأخذ ولا تعطي وانتهى بها الأمر إلى أن صار الجهل رائدها والفقر حليفها والفوضى قانونها والذل طبيعة لها" (2) .
لبثت أوروبا تتربص بالعالم الإسلامي منذ الحروب الصليبية التي أوقفها عاملان هامان: تعاظم القوة الحربية للدولة العثمانية بعد فتح القسطنطينية وانقسام أوروبا على نفسها. ولما تداعت القوة الحربية للدولة العثمانية لم يؤخر سقوطها إلا استمرار انقسام أوربا على نفسها " وبدا واضحا أن تنافس الدول الأوربية هو الضمانة الوحيدة لسلامة الأراضي العثمانية.. وقد رافق هذه الضعف السياسي الذي تردت فيه الإمبراطورية ضعف موات في حياتها العقلية، ذلك أن الحد من سلاطين هذا العهد لم يكن يعنى أقل العناية وأضألها بالآداب" (3) وبدلا من أن تلتفت الدولة العثمانية إلى النهوض بالبلاد الإسلامية نهضة شاملة تتناول سائر جوانب العقيدة والحياة انهمكت في تفتيت قوى العالم الإسلامي بتسليط القوى المحلية بعضها على بعض فتحرض والي الشام يوما على مصر وتحرض والي مصر يوما على الشام ونجد كل ذلك مخافة أن يشتد ساعد أحد الولاة فيخرج عليها. وسجل الجبرتي حالة الدولة العثمانية وسلاطينها في مستهل القرن الثاني عشر الهجري ـ الثامن عشر الميلادي. بقوله:" يضيق صدري ولا ينطلق لساني وليس الحال بمجهول حتى يفصح عنه اللسان بالقول، وقد أخرسني العجز أن أفتح فما أفغير الله ابتغي حكماً" (4) .
ونتج عن تردي أحوال الدولة أن انطفأ سراج العلم والمعرفة وجمدت العقول على الخرافة وركن الناس إلى الحطة والهوان واكتفوا بتعليل ما يجري لهم
__________
(1) لوثروب ستودارد: حاضر العالم الإسلامي (مترجم) ص: 18
(2) د. محمد ضياء الدين الريس: تاريخ الشرق العربي والخلافة العثمانية. ص:13
(3) كارل بروكلمان: تاريخ الشعوب الإسلامية ج3 ص666
(4) الجبرتي: عجائب الآثار في التراجم والأخبار ج1 ص: 66

الصفحة 46