كتاب الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب ومنهجه في مباحث العقيدة

قد اكتنفتها سحب الجهل والضلالة فعاد الشرك وماتت السنن بحيث يمكن القول بأن القرن الثاني عشر الهجري قد أدرك العالم الإسلامي وقد تجرد من سائر الحقوق الكلية التي جاء بها الإسلام من أول يوم: توحيد الله وإتباع الرسول ومساواة بني الإنسان وتفاضلهم وبناء العلم على قاعدة التعلم.
ودعوة هذا الواعظ على أرض مصر في عام 1123هـ هي بذاتها دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب على ارض نجد بعد أقل من ربع قرن، "ولكنه كان من سوء حظ الداعية التركي أن قام بدعوته في مصر حيث يوجد الأزهر وعلماؤه فقاموا بإنكار دعوته (1) ".
ومن العجيب أن في الوقت الذي تحقق في إفلاس العالم الإسلامي من سائر الحقائق الكلية التي هي عماد دعوة الإسلام وأساس بناء المجتمع المسلم ـ كانت أوروبا قد قطعت شوطا بعيدا في حركتها العقلية التي أوصلتها إلى تقرير ثلاث من هذه الحقائق الكلية تقريرا عقليا ونعني بها الحقائق الكلية الآتية:
1) المساواة الإنسانية (ولو في داخل المجتمع الأوربي وحده) .
2) الثورة العلمية.
3) بناء العلم على التعلم بالمنهج الاستقرائي.
وبينما كانت الجامعات والمصانع في أوربا تصعد بالإنسان الأوربي إلى قمة الإبداع في حدود الكليات الثلاث كان الأزهر (2) وغيره من الجامعات الإسلامية
__________
(1) الشيخ عبد المتعال الصعيدي: المجددون في الاسلام ص: 438
(2) أورد الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي في كتابه: الأزهر في ألف عام نص محاضرة للشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر بين فيها أسباب ومظاهر جمود الحركة العلمية في الأزهر في العصور المتأخرة ونحن نثبت هنا نصوصا من هذه المحاضرة لما نرى لها من قيمة في هذا الصدد. قال الشيخ شلتوت:" ومرت بالأزهر أطوار.. ختمت بعهد تجمعت فيه على ماض طويل وأخذت تعمل عملها في صرف الأزهر عن التفكير والإنتاج وعن كل نافع من العلوم العقلية والكونية وانتهت مظاهر العلم والتفكير فيه إلى أن تغلبت المبادئ الآتية:
1. تغلبت العناية بالمناقشات اللفظية وتتبع كلمات المؤلفين في المصنفات والشروح

الصفحة 49