كتاب الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب ومنهجه في مباحث العقيدة

ضرب الله بها المثل في قوله تعالى: {كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً} (1) وأما أن يصيب كثبانا رملية لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فيغور في أعماقها ولا يستطيعون له طلبا. أو يتأخر نزوله " فيشتد الحال بمن يقيم عليه من القبائل. ومن هنا كان العرب في بواديهم لا يبقون في مكان واحد وإنما يتبعون مواقع القطر.. أضف إلى ذلك أن نجدا شديدة الحرارة إلا ما كان قريبا من الأودية ومسايل المياه القليلة (2) ".
إذا فلا سبيل للقوم إلى زراعة تكون نواة للحضارة والعمران وبالتالي فلا سبيل إلى صناعة أو تجارة "وأما الصناعات فكانت أبعد الأمم عنها حتى أن البدو منهم كانوا يحتقرونها ويعيبون المحترف بحرفة.. مثلما هجا جرير الفرزدق وكلاهما من تميم بأن أحد أجداد الفرزدق كان محترفا بحرفة هي جلاء السيوف، ويعيبون قوما فيقولون: هم بين دابغ جلد وناسج برد" (3) وأما التجارة فقد كانت بلاد العرب لها ممرا ولم تكن لها مستقرا فتجارة العالم منذ القدم تعبر من الشرق إلى الغرب عبر جزيرة العرب ". وكان للمواصلات التجارية عبر جزيرة العرب طريقان: أحدهما شرقي يصل عمان بالعراق وينقل بضائع اليمن والهند برا ثم يجور غرب العراق إلى البادية حتى ينتهي به المطاف في أسواق الشام ... والطريق الثاني وهو الأهم غربي يصل اليمن بالشام مجتازا بلاد اليمن والحجاز ناقلا بضائع اليمن والحبشة والهند إلى الشام (4) ".
وبينما استطاع عرب اليمن والحجاز وعمان أن يغتنموا وقوع بلادهم في معابر التجارة العالمية منذ القدم، فإن موقع نجد في قلب الجزيرة العربيةلم يتح للقبائل القاطنة فيها أن تستفيد من الممرين التجاريين في شرق الجزيرة وغربها، اللهم إلا إن تغير قبائل نجد على قوافل التجارة فتسلبها أو أن ترغم أصحاب القوافل على أن تكون تجارتهم في جوارها. (5)
__________
(1) سورة البقرة. آية: 264
(2) محمد الخضري. تاريخ الأمم الإسلامية جـ 1، ص14.
(3) محمد الخضري. تاريخ الأمم الإسلامية، ص16.
(4) سعيد الإفغاني، أسواق العرب في الجاهلية والإسلام ط1356هـ. بدمشق ص:15
(5) روي بن هشام بسيرته عن إبن إسحاق أن حرب الفجار التي نشبت بين قريش ومن معها من كنانه وبين قيس غيلان وهم بطن من مضر سكنوا اليمامة من قديم فقال:" كان الذي =

الصفحة 54