كتاب الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب ومنهجه في مباحث العقيدة

الجزيرة شيئا فشيئا إلى عزلتها السابقة." (1)
وخلف حجب العزلة التي انسدلت أستارها على نجد والجزيرة العربية تهيأت الأسباب لتفشي كل بدعة ضالة ونزعة منحرفة. ولم تنل الجزيرة العربية شيئا من اهتمام الدول الإسلامية المتعاقبة إلا بالقدر اللازم لتامين سبل الحج إلى بيت الله الحرام بمكة المكرمة وزيارة مسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة. وقلما تم تأمين هذه السبل إلا عن طريق القوة التي يخضع لها الأعراب ريثما تنكشف عنهم ثم يعودون إلى طباعهم التي تأبت أن تطيع مهما بذل معها من تطويع وأخيرا ألقى حبل الجزيرة على غاربها فلم يبق فيها من الإسلام سوى اسمه وتوزعتها النزعات المتطرفة المتباينة "بعضها خروج على الإسلام ببعضه،
وبعضها خروج على الإسلام بكله ولكنها مجتمعة على الجاهلية بعاداتها وتقاليدها وغزواتها وسالبها ومسلوبها وظالمها ومظلومها." (2) وكل ما يفترق بها عن الجاهلية الأولى أنها" استعاضت عن أصنام الجاهلية بتعظيم شجرة أو بئر أو قبر شيخ." (3)
فكان على الداعية الذي يتصدى لتعريف المعروف وإنكار المنكر في هذه الجزيرة العربية مستهل القرن الثاني عشر الهجري أن يواجه ركاما من الظلمات الغاشية بعضها فوق بعض. ظلام يغشى عقول العلماء أو الموسومين بالعلم فضلا عن العامة والدهماء، حتى عدت الضلالة الموروثة لديهم هي الدين الذي ينتسبون عليه، يهرف العلماء بنصوصه ويتشبث العامة بقشوره دون فقه من الأولين ولا مسكة من الآخرين.
والعقيدة التي قامت على التوحيد الخالص آلت إلى أدعية تلوكها الألسنة دون أن نفرق بين توحيد وشرك وشفاعة وترسل وولاية تعلم الناس القدوة الحسنة ووصاية تعمى بها الأبصار وتصم بها الآذان وتغل بها العقول وتموت بها الهمم اعتمادا على الولي ونفاذ مشيئته عبد الرب حتى "عكف أكثر الناس
__________
(1) أحمد عبد الغفور عطار. سيرة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ط1358هـ. ص: 9من مقدمة للشيخ طاهر الدباغ.
(2) عبد الكريم أبا الخيل: العربية السعودية ص24.
(3) حسين بن غنام: تاريخ نجد د. ناصر الدين الأسد ص:11

الصفحة 58