كتاب الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب ومنهجه في مباحث العقيدة

تنازع الناس فيه وجد فيهما ما يفصل النزاع." (1) ومما تقدم نستخلص أن الشيخ إذ يرى أن كلمة واحدة في كتاب الله تعالى أو في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم "يدخل تحتها من المسائل ما لا يحصر" فإنه يتفق مع أهل العلم في قولهم بأن لبعض النصوص الشرعية دلالة ظنية بحيث يدخل تحتها من المسائل مالا يحصر وبحيث يكون الاجتهاد هو طريق استنباط حكم هذه المسائل من حيث دخولها تحت حكم النص من عدمه. ومن هنا يستقيم لنا القول بأن الشيخ يرى مشروعية الاجتهاد بل واستلزامه بحيث يصبح فرض كفاية على الأمة لأنه قد تعين لآداء واجب وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
وإذا كانت مشروعية الاجتهاد بل ووجوبه عند الشيخ على هذا النحو من الثبوت فهل يتسع المجال عنده للقول باستمرار الاجتهاد أبد الدهر. أم يرى بابه قابلا للانغلاق كما زعم المتأخرون؟
للجواب على هذا السؤال يلزمنا أن نتعرف على مدلول الاجتهاد عند الشيخ. فقد رأينا أنه في اصطلاح الأصوليين والفقهاء: بذل الجهد من الفقيه لاستخراج الأحكام من أدلتها الشرعية (2) أي أن الاجتهاد ينتهي عند استخراج الحكم من دليله الشرعي مما سوغ للمتأخرين الزعم بانغلاق باب الاجتهاد بمقولة أن الأولين لم يدعوا حكما إلا واستخرجوه من دليله الشرعي بما لا يدع مزيدا لمستزيد. لكن الاجتهاد عند الشيخ يكمن في مرحلة سابقة على استخراج الحكم المتنازع فيه من دليله، إن الاجتهاد عنده هو: رد الأمر إلى الله ورسوله"فنقول في محل النزاع إلى الله ورسوله." (3)
ولما كان التراد إلى الله ورسوله واجب في كل مسألة متنازع عليها.
ولما كانت المسائل لا حصر لها.
دل ذلك على وجوب التراد إلى الله ورسوله بشأنها لتحصيل العلم
__________
(1) الدرر السنية في ألأجوبة النجدية جـ 3 ص: 4.
(2) أنظر هامش ص: 50، 51 من البحث.
(3) الدرر السنية جـ 4 ص4

الصفحة 71