كتاب الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب ومنهجه في مباحث العقيدة

الشروط الواجب توافرها في المجتهد على ضوء ما أشرنا إليه من اتفاق العلماء واختلافهم نجد ابتداء أن الشيخ وهو على ما صرح ممن يأخذون بالمذهب الحنبلي ويعجبون بفقه الإمام احمد مما يجوز لنا معه أن نقرر أنه يرى في المسألة جملة ما يراه أصحاب الحديث من وجوب علم المجتهد بالنصوص الشرعية من كتاب وسنة إلا أن شخصية الشيخ محمد بن عبد الوهاب تبرز في هذه المسألة بمنهج مستقل يتلخص في أنه عاب على المتشددين في بيان شروط المجتهد ورأى أن التشدد في تعداد هذه الشروط هو من فعل الأهواء حتى أنه ليقول:" السنة التي وضعها الشيطان هي أن القرآن والسنة لا يعرفهما إلا المجتهد المطلق والمجتهد هو الموصوف بكذا وكذا أوصافاً لعلها لا توجد تامة في أبي بكر وعمر فإن لم يكن الإنسان كذلك فليعرض عنهما فرضا حتما لاشك ولا أشكال فيه، ومن طلب الهدى منهما فهو ما زنديق وإما مجنون لأجل صعوبتها. سبحان الله وبحمده والأمر برد هذه الشبهة الملعونة من وجوه شتى بلغت إلى أمر الضروريات العامة." (1)
(4) علاقة المجتهد بالمجتهد:
وتلك مسألة تتفرع عما قبلها، فما دام الاجتهاد حتما لازما وفرضا واجبا لا غنى عنه للأمة في مجموعها مهما تعاقبت الأجيال وتباعد الزمان، وأنه فضلا عن وجوبه على الأمة في مجموعها، فهو واجب متعين على من استجمع شروطه التي أشرنا عليها آنفا بحيث أن القادر على الاجتهاد يأثم بتركه عند وجود مقتضاه. وحاصل ذلك أن المجتهدين قد يتعددون ويتعاصرون في الزمان أو المكان أو فيهما معا فكيف ينبغي أن تكون علاقة المجتهد بالمجتهد؟
لقد مضت قرون الاجتهاد الأولى والقوم فيها طلاب حقيقة يسعون إليها ما استطاعوا ومدارها عندهم على مقتضى كتاب الله وسنة رسوله، فليس لرأي مجتهد قيمة في ذاته إلا بقدر ما يدل على حكم الله تعالى ورسوله في المسألة المجتهد فيها، وعلاقة المجتهد بالمجتهد قائمة على تعاون الجميع لتحصيل ما يبدو لهم أنه مراد الله تعالى في هذه المسألة.
__________
(1) مجموعة التوحيد ص 276.

الصفحة 77