كتاب الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب ومنهجه في مباحث العقيدة

فالإمام أحمد رغم تلقيه عن الإمام الشافعي لا يرى في موقف التلقي عنه معنى مطلق المتابعة له بل إن الشافعي يقول له:" يا أبا عبد الله أنت أعلم بالحديث منى فإذا صح الحديث فأعلمني حتى أذهب إليه شاميا كان أو كوفيا أو بصريا" ومن قول الشافعي: أجمع الناس على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس وقال:" إذ صح الحديث فاضربوا بقولي عرض الحائط وقال:" إذا رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا ولم آخذ به فاعلموا أن عقلي قد ذهب (1) ".
ومن قول الإمام أبي حنيفة لأبي يوسف:" لا يحل لأحد أن يقول بقولنا حتى يعلم من أين قلناه (2) " وقال أحمد: لا تقلد دينك أحدا، وقال مالك: أنا بشر أخطئ وأصيب فانظروا في رأيي: فما وافق الكتاب والسنة فخذوا به وما لم يوافق فاتركوه.
فالواضح مما تقدم أن لكل مجتهد صفة الاستقلال في اجتهاده، وأن أخذه باجتهاد غيره ليس مبناه رأي الغير في ذاته بل معناه قبول الدليل المبني عليه فالاجتهاد يدور عند الكل مع قوة الدليل بغض النظر عن شخص المستدل به، وتلك قمة الروح العلمية التي تستهدف من البحث الوصول إلى الحقيقة وحدها دون اعتبار لشخص القائل بها. ورغم ذلك فإن القوم في اجتهادهم لم يصرفهم استقلالهم الفكري عن تقديس الروابط فيما بينهم فأصبح لكل شيخ تلاميذه الذي يحفلون به ويأخذون بمنهجه في الاستدلال دون أن تذوب شخصياتهم في شخصيته وكل تيار فكري موحد المنهج كان أساسا لوحدة المذهب (3) بين بعض
__________
(1) ابن القيم. اعلام الموقعين 2/361
الدرر السنية في الأجوبة النجدية. 4/12-15
وأيضا ابن غنام. تاريخ نجد. ص223
(2) الشوكاني. ارشاد الفحول 249
(3) المذهب: لغة على وزن مفعل ويصح للمصدر والمكان والزمان بمعنى الذهاب وهو المرور أو محله أو زمانه. والمذهب: اصطلاحا: ما ترجح عند المجتهد في أيما مسألة من المسائل بعد الاجتهاد فصار له معتقدا أو مذهبا وعند بعضهم: أنه المشهور في مذهبه كنقض الوضوء بأكل لحم الجزور ومس الذكر ونحوه عند أحمد، ولا يكاد يطلق إلا على ما فيه خلاف. وقال بعضهم: هو في عرف الفقهاء ما ذهب إليه إمام من الأئمة المجتهدين ويطلق عند المتأخرين من أئمة =

الصفحة 78