كتاب الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب ومنهجه في مباحث العقيدة
وبإدراك الشيخ لحقيقة معنى الاجتهاد وحدود علاقة المجتهد بالمجتهد كان عدوا للتقليد والمقلدين على نحو ما سوف نعرض له في المبحث التالي.
ثانيا: موقفه من التقليد
أدرك الشيخ محمد بن عبد الوهاب الفكر الإسلامي وقد أصبح سجين التقليد، والتعصب الأعمى لآراء المذاهب ويهمنا أن نذكر أن التقليد في ذاته داء عضال ينتفي معه مدلول إنسانية الإنسان، ذلل أن مناط إنسانية الإنسان عقله الذي يستضيء به ويزن به الأمور فإذا اكتفى بالتقليد عطل ملكات عقله واكتفى بترسم خطى الآخرين، فإذا أضيف إلى التقليد التعصب فقد بلغ السوء مداه فلئن كان التقليد كما عرفه الشوكاني:"هو قبول رأي من لا تقوم به الحجة بلا حجة (1) " فإن التعصب لمثل هذا الرأي مع فقدان حجته يجعل الوصول إلى الحق ضرب من المحال، وقد كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب حاسما وواضحا في التصدي للتعصب المذهبي وما قادر إليه من ركون الفكر على التقليد فتراه مع أنه لا يفتأ يكرر إعجابه وإشادته بطائفة من علماء الحنابلة أخصهم ابن القيم وشيخه ابن تيمية يضع هذا الإعجاب في دائرته السليمة فيقول:" فلست ولله الحمد أدعوه إلى مذهب صوفي او فقيه أو متكلم أم إمام من الأئمة الذين أعظمهم مثل ابن القيم والذهبي وابن كثير وغيرهم، بل أدعو إلى الله وحده لا شريك له، وأدعو إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. (2)
بهذا التعبير يفرق الشيخ بن التقليد الذي هو اعتناق رأي بلا حجة، وبين الإتباع الذي يقتفي للحجة ويذعن لها كائن من كان القائل بها، وعلى هذا فإنه كثيرا ما يوافق مجتهد مجتهدا وليس هو مقلدا له فيما قاله وإنما هو موافق له فيه لاتفاقهما في الدليل والحكم لا لتقليد أحدهما الآخر فيه، وكثيرا ما يشاهد ذلك في كلام الأئمة وقد وافق الأمام الشافعي الأمام زيد بن ثابت رضي الله عنهما مع أن الشافعي غير مقلد لزيد. (3)
__________
(1) الشوكاني. إرشاد الفحول ص247
(2) ابن غنام. تاريخ نجد ص: 215
(3) سليمان بن عبد الله بن عبد الوهاب. التوضيح عن التوحيد الخلاق في جواب أهل العراق ص33
الصفحة 80
263