كتاب الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب ومنهجه في مباحث العقيدة

السابق: هو ثقة المقلد في علم ودين من يقلده، ونلاحظ هنا دقة ابن عبد الوهاب في قوله: فقلد من تثق بعلمه ودينه، كأنه يطلب من المقلد حتى في حال إباحة التقليد له أن يجتهد في اختيار من يقلده وألا يكتفي بما يشاع عنه من علم ودين بل لا بد من أن يثق هو أي المقلد في علمه ودينه.
ثم يحذر من أن يجري التقليد بالهوى مما يخالف شرط الثقة في العلم والدين:"وأما أن قلد شخصا دون نظيره بمجرد هواه من غير علم ان الحق معه فهذا من أهل الباطل." (1)
وأخذا بمعيار الثقة في العلم والدين كشرط لاختيار من يجوز تقليده فإن أولى الناس بتقليدهم والاقتداء بهم بعد الرسول المعصوم صلى الله عليه وسلم هم: الصحابة المرضي عنهم بنص كتاب الله تعالى فهم خير الأمة على امتداد المكان والزمان إلى قيام الساعة حكما بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:" خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجيء قوم تسبق شهادة احدهم يمينه ويمينه شهادته"، (2) وتقيدا بهذا الهدي النبوي كان ابن عبد الوهاب حريصا دائما على أن يقرر أنه في مسائل الخلاف التي لا نص فيها بشخص إلى عمل الصحابي فإن لم يجد فإلى التابعي الصالح"فمن عاند دعوته إلى المباهلة كما دعا إليها ابن عباس في بعض مسائل الفرائض وكما دعا إليها سفيان والأوزاعي في مسألة رفع اليدين وغيرهما من أهل العلم (3) ".
(3) الدائرة التي يجوز فيها التقليد:
لأن القاعدة كما قدمنا حظر التقليد وإباحته هي الاستثناء فدائرته محدودة وإن كانت بالنسبة للعامي أوسع منها بالنسبة للعالم.
فبالنسبة للعامي يباح له التقليد من يثق في علمه ودينه في سائر مسائل الفروع، وأما في أصول الدين فلا يجوز التقليد البتة لعامي ولا لمتعلم، بل بجب على كل مكلف معرفة الله تبارك وتعالى ومعرفة الرسول صلى الله عليه وسلم وما بعث به
__________
(1) عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ محمد، المقامات، الرسالة الأولى مخطوطة بمكتبة دخنة بالرياض.
(2) ابن القيم: اعلام الموقعين 2/245
(3) ابن غنام: تاريخ نجد، ص229

الصفحة 84