كتاب شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك (اسم الجزء: 1)

__________
= ابن إسماعيل بن هشام بن المغيرة، والى المدينة من قبل هشام بن عبد الملك بن مروان وكان قد مدحه من قبل فلم ترقه مدحته، ولم يعطه، ولم يكتف بالحرمان، بل أمر به فضرب بالسياط، وأول هذه الكلمة قوله:
مدحت عروقا للندى مصت الثرى حديثا، فلم تهمم بأن تترعرعا نقائذ بؤس ذاقت الفقر والغنى وحلبت الايام والدهر أضرعا اللغة: " مصت الثرى حديثا " أراد أنهم حديثو عهد بنعمة، فكنى عن ذلك المعنى بهذه العبارة، ولما عبر عنهم أولا بالعروق جعل الكناية من جنس ذلك الكلام " بأن تترعرعا " يروى براءين مهملتين بينهما عين مهملة، ويروى " تتزعزها " بزاءين معجمتين بينهما عين مهملة كذلك، ومعناه تتحرك، يريد أنهم حدثت لهم النعمة بعد البؤس والضيق، فليس لهم في الكرم عرق ثابت، فهم لا يتحركون للبذل، ولا تهش نفوسهم للعطاء " نقائذ " جمع نقيذ، بمعنى اسم المفعول، يريد أن ذوي قرابة هؤلاء أنقذوهم من البؤس والفقر " أضرع " هو جمع ضرع، والعبارة مأخوذة من قول العرب: حلب فلان الدهر أشطره، يريدون ذاق جلوه ومره " ذوو الاحلام " أصحاب العقول، ويروى " ذوو الارحام " وهم الاقارب من جهة النساء " سجلا " - بفتح فسكون - الدلو ما دام فيها ماء قليلا كان ما فيها من الماء أو كثيرا، وجمعه سجال، فإن لم يكن فيها ماء أصلا فهي دلو لا غير.
ولا يقال حينئذ سجل، والغرب - بفتح الغين المعجمة وسكون الراء المهملة، وكذلك الذنوب - بفتح الذال المعجمة - مثل السجل، يريد أن الذي منحه ذوو أرحام هؤلاء إياهم شئ كثير لو وزع على الناس جميعا لوسعهم وكفاهم، ولكنهم قوم بخلاء ذوو أثرة وأنانية، فلا يجودون وإن كثر ما بأيديهم وزاد عن حاجتهم.
المعنى: إن هذه العروق التي مدحتها فردتني إنما هي عروق ظلت في الضر والبؤس حتى أنقذها ذوو أرحامها بعد أن أوشكت أن تموت، ويقصد بذوي أرحامها بني مروان.
=

الصفحة 336