لغير ما ذُكِر: غشٌّ وخيانةٌ، بدليل خبر أبي داود: «كبُرتْ (¬1) خيانةً: أن تحدِّث أخاك
حديثًا هو لك مصدِّقٌ وأنتَ له كاذبٌ» (¬2).
¬_________
(¬1) بضمِّ الباء، لا بكسرها، لأنَّ الخيانة معنىً، ويقال في المعاني -وكذا الأجسام-: (كبُر، يكبُر) بالضمِّ معًا، ويقال في السنِّ: (كبِر) بالكسر، (يكبَر) بالفتح، وكلا المادَّتين في كتاب الله تعالى، فأمَّا الأولى فمنها قوله تعالى: {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ} ومضارعها: (يكبُر) بالضمِّ أيضًا، قال تعالى: {أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ}. ومن الثانية قوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا}.
وفي هذا المعنى نظم الدنوشريّ (ت 1025 هـ) -كما في حاشية الطالب ابن حمدون على لاميَّة الأفعال لابن مالكٍ ص (61) - فقال:
(كبِرتُ) بكسر الباء في السِّنِّ واردٌ ... مضارعُه بالفتح، لا غيرُ يا صاحِ
وفي الجسمِ والمعنى: (كبُرتُ) بضمِّها ... مضارعه بالضمِّ جاء بإيضاحِ
(¬2) هذا الحديث له طريقان:
الطريق الأوَّل: عن جبير بن نفير، عن سفيان بن أَسيد -بفتح الهمزة- الحضرميّ، مرفوعًا. أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الأدب، باب المعاريض (4/ 293، ح 4971) والبخاريّ في الأدب المفرد (1/ 203) من طريق بقية بن الوليد، عن ضُبَارة -بضمِّ أوَّله ثمَّ موحَّدة كما ضبطه ابن حجر في التقريب (رقم 2962) - ابن مالك الحضرمي، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه جبير بن نفير به. وهذا الحديث له عللٌ: فـ (بقيَّة) قال فيه ابن مسهر: -كما في الكامل في ضعفاء الرجال (2/ 259) - (احذر أحاديث بقيَّة، وكن منها على تقيَّة، فإنَّها غير نقيَّة)، إلَّا أنَّه قد وقع التصريح بالسماع في طريق ابن عديٍّ في الكامل (2/ 204) إلَّا أنَّه يدلِّس تدليسَ التسوية -كما قاله الذهبيّ في ميزان الاعتدال (1/ 339) -، وثانيًا: شيخ بقيَّة: (ضُبارة بن مالكٍ) هو وأبوه مجهولان، انظر: التقريب (رقم 2962)، وقال النووي: (إسناد فيه ضعفٌ، لكن لم يُضَعِّفه أبو داود، فيقتضي أن يكون حسنًا عنده). الأذكار للنووي (380).
والطريق الثاني: عن يزيد بن شريح، عن جبير بن نفير أيضًا عن النواس بن سمعان مرفوعًا. أخرجه أحمد عن عمر بن هارون البلخي، عن ثور بن يزيد، عن شريحٍ به. قال أبو نعيم في حلية الأولياء (6/ 99): (غريبٌ من حديث ثور، تفرد به عمر بن هارون البلخي). وعمر بن هارون (متروك) كما قاله الحافظ في تقريب التهذيب (رقم 4979) ولكن تابعه الوليد بن مسلم عند البخاريّ في التاريخ الكبير (4/ 86) ولكنَّه يدلس تدليس التسوية، ولذا فلا يصحّ الحديث ولا يتقوَّى، وممن ضعَّف الحديث بطريقيه: الشيخ الألباني في السلسلة الضعيفة (3/ 405). والشيخ شعيب وأصحابه في تحقيق المسند (29/ 183) وقد تساهل الحافظ العراقي في المغني عن حمل الأسفار (ص: 1024) حين قال: (إسناده جيّد)، وأشدّ منه الغماريّ في المداوي (5/ 16) حين صحَّحه! .
تنبيه: في مسند أحمد (29/ 183): (حدثنا عمر بن هارون، عن ثور بن يزيد، عن شريح، عن جبير ابن نفير الحضرمي) قال محققو المسند: (كذا في المطبوعة والأصول الخطَّية، والذي في مصادر التخريج: يزيد بن شريح).