قال عِيَاضٌ: والصَّواب الأوَّلُ (¬1)، وقال العراقيُّ: والمشهور الأوَّل (¬2)، بدليل رواية (ولا يحتقره) (¬3) بتاءٍ بعد الحاء، وهذه كلُّها إخبارٌ بمعنى النَّهيِ.
ومعنى ذلك كلِّه: أنَّ من حقِّ الإسلام وأُخوَّته: أنْ لا يظلم المؤمنُ أخاه ولا يَخذلُه ولا يَكذبه ولا يَحْقِرُه، وتخصيص المسلم لمزيدِ حرمتهِ، لا لِلاختصاصِ مِن كلِّ وجهٍ، فالذي يحرم: ظلمُه وخذلانه بنحو ترك دفع عدوِّه والكذب عليه واحتقاره، نعمْ احتقاره من حيثُ الكفرُ القائمُ به جائزٌ. {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ} (¬4).
(التقوى) فَعْلَى من الوقاية ما يُتَّقَى به ممَّا يُخَاف، فتقوَى العبدِ لله: أنْ يجعل بينه وبين ما يخشاه مِنْ غضَبِهِ وقايةً تقيْهِ منه، وهي تجنُّبُ نَهْيِهِ وامتثالُ أمره.
قال القيصريُّ (¬5): وقد أكثر الناسُ القولَ في التقوى، وحقيقتُها: تنزيهُ القلبِ عن الأدناس، وطهارة القلب من الآثام، وإن شئت قلت: الحذر من مواقعة المخالفات (¬6).
(ههنا) أي: في القلب، بمعنى أنَّ محلَّ سببها الذي هو خوف الله الحاملُ عليها هو القلب، لا حقيقتها الَّذي هو الاتِّقاء من العذاب.
¬_________
(¬1) قال القاضي عياض: (والصواب من ذلك أن يكون بالقاف من الاستحقار، وكذلك وقع في غير مسلمٍ بغير خلافٍ). إكمال المعلم (8/ 31).
(¬2) انظر: تكملة شرح الترمذي للعراقيِّ، تحقيق: عبد الله العمراوي (ص 776). رسالة ماجستير غير منشورة في الجامعة الإسلاميَّة، (المدينة المنوَّرة) سنة/1425 - 1426 هـ.
(¬3) هو ضبطٌ في الحديث، لا رواية مستقلَّة، انظر: الإكمال للقاضي (8/ 31) وشرح النووي على مسلم (16/ 121).
(¬4) سورة الحج (18).
(¬5) لعلَّه حميد الدِّين حامد بن موسى بن عبد الله القيصريُّ (815 هـ) له شرحٌ على الأربعين النوويَّة, لم أقف عليه. انظر: سلم الأصول إلى طبقات الفحول (2/ 9).
(¬6) لم أهتد إليه, وذكره في الفيض القدير (1/ 121).