كتاب شرح الأربعين النووية للمناوي حـ 29 - 35

ولذلك كرَّر -عليه الصلاة والسلام- هذه الكلمة، وأشار بيده إلى صدره ثلاثًا, صلَّى الله عليه وسلَّم.
«بحسْبِ» بسكون السين, «امرئٍ من الشرِّ» قال الطيبيُّ: قوله: «بحسْبِ امرئٍ» مبتدأ، والباء فيه زائدة (¬1)، وقوله «أن يحقرَ أخاه» خبره، أي: كفايةٌ (¬2) من خلال الشرِّ ورذائلِ الأخلاق في معاشه ومعاده تحقيرُ أخيه المسلم هذا (¬3). أي: يكفيه منه في أخلاقه ومعاشه ومعاده أن يحقر أخاه.
«المسلمَ» تفظيعٌ لشأن الاحتقار وتهويل؛ لأنّه ذنبٌ عظيمٌ، بدليل / [134/ب] ما رتَّب عليه ما يكفي المحتقر من الشرِّ؛ فإنَّ الله لم يحتقر الإنسان؛ إذ (¬4) خلقه في أحسن تقويمٍ، وخلق له ما في الأرض جميعًا، وسخَّر له ما في السماء والأرض والأنهار والشمس والقمر والليل والنهار، وآتاه من كلّ ما سأله، فمن حقره فقد حقر ما عظَّم الله، وكفى به شرًّا، ومن احتقاره: أنْ (¬5) لا يسلم عليه، ولا يردّ عليه، وليس منه تقديم (¬6) العالم على الجاهل، والعدل على الفاسق؛ لأنَّه ليس لذاته بل لوصفه المذموم، حتى لو زال عنه عاد إليه التعظيم.
«كلُّ المسلم على المسلمِ» فيه ردٌّ على من زعم أنَّ (كلًّا) لا تضاف إلَّا إلى نكرةٍ (¬7)، وهذا مبتدأ، وقوله: «حرامٌ» خبره، أي: جميع أنواع ما يؤذيه حرامٌ.
¬_________
(¬1) ومعنى كونها زائدةً: (لأنَّ دخولها لا يزيد معنًى على ما كان قبل دخولها). المقاصد الشافية في شرح خلاصة الكافية للشاطبي. (3/ 600).
(¬2) في (ب): كافيةٌ.
(¬3) الكاشف عن حقائق السنن (10/ 3179).
(¬4) في الأصل: (إذا).
(¬5) في (ب): أنه.
(¬6) كلمة (تقديم) ليست واضحةً في الأصل.
(¬7) وقد وردت آيات من القرآن على إضافة (كلّ) إلى معرفةٍ، منها على سبيل المثال: {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} (مريم: 95) , قال ابن جماعة في التبيين في شرح الأربعين: (ص 196) -بعد أن ذكر من منعه-: (وهو إنكارٌ ساقطٌ لا ينبضُ له عرقٌ) , وانظر: مغني اللبيب لابن هشام (ص 263)، وتمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد لناظر الجيش (7/ 3210). وذكره محمد عضيمة في دراسات لأسلوب القرآن الكريم (1/ 6).

الصفحة 215