كتاب شرح الأربعين النووية للمناوي حـ 29 - 35

المبحث السابع, وتحته مطلبان:
المطلب الأوَّل: عقيدته
إنّ أهمّ ما يميِّز المسلمين عن غيرهم من أهل الأديان، هو: أنّ عقيدتهم موافقةٌ لما فطر الله عليها قلوبهم من معرفتهم باستحقاق العبودية لله سبحانه، وقَبول الحقّ الذي جاء به نبيهم صلى الله عليه وسلم، لذا فإنّ صفاء العقيدة وصحّتها هو الرّكيزة الرئيسة التي ينبغي العناية بها وتصحيحها.
وإنّ العصر الذي عاش فيه الحافظُ المُنَاويّ -رحمه الله- قد غلب عليه الجمود والتّقليد، وغلب عليه المذهب الأشعري، وانتشار الطرائق الصّوفيّة، وقلَّ عالم إلا وقد تأثّر بشيء من ذلك، ولا حول ولا قوَّة إلا بالله، والحمد لله على السلامة.
والمُنَاويّ -رحمه الله- مع أنّه يقرّر أهمية العلم ودوره، ووجوب الحرص على التّمسّك بالكتاب والسّنّة، وتعظيم السّنّة، والبعد عن البدعة وأهلها، والرّدّ عليهم، إلّا أنّه أشعريُّ المعتقد, صوفيُّ الطريقة.

أوَّلًا: بيان أنَّه -رحمه الله- على مذهب الأشاعرة في العقيدة, ويدلُّ على هذا أمورٌ:
أوَّلًا: تظهر أشعريَّته في شرحه لبعض الأحاديث, من ذلك:
1 - تقريره لمسألة الكلام النفسيِّ على طريقة الأشاعرة, فقال: (إذ الكلام من صفاته النفسيَّة القديمة الذاتيَّة التي لا ينفكُّ عنها) (¬1).
2 - ذهب إلى تأويل صفة المحبَّة, وأنَّها في حقِّ الله -تعالى- محالٌ, قال: (معنى محبَّة الله للعبد: رضاه عنه, وإحسانه إليه؛ لأنَّ المحبَّة ميلٌ طبيعيٌّ, وهو في حقِّه محالٌ) (¬2).
3 - وأوَّل أيضًا صفة الإرادة, قال: (لا تتعلَّق به محبَّة على الحقيقة؛ لأنَّها إرادة,
¬_________
(¬1) انظر: ص (129) من هذا الكتاب.
(¬2) انظر: ص (137) من هذا الكتاب.

الصفحة 38