مُشكلٍ مُتعسِّرِ الجواب؛ لأنَّ معرفة العمل الذي يُدخِل الجنَّة مِن علم الغيب، وعلمُ الغيب لا يعلمه إلا الله، ومن علّمه الله، كذا ذكره (¬1) المُظْهِر (¬2).
وردّه الطيبيُّ: بأنَّه ذهابٌ إلى أنَّ «عظيمٍ» صفةُ موصوفٍ محذوفٍ أي: عن سؤالٍ عظيمٍ، والأظهر: أنَّ الموصوفَ أمرٌ، ويُعنَى به العملُ؛ لأنَّ قوله: «تعبدُ الله» استئنافٌ وقع بيانًا لذلك الأمر العظيم، وعنه ينبئ كلام البيضاويِّ حيث قال: (وإنَّه ليسيرٌ): إشارةٌ إلى أنَّ أفعال العباد واقعةٌ بأسبابٍ ومُرجِّحاتٍ تفيض عليهم مِن عنده، وذلك (¬3) إن كان نحوَ معصيةٍ تُسمَّى خذلانًا وطبْعًا) (¬4). انتهى.
وعُلِمَ ممَّا تقرر: أنَّه ليس المرادُ استعظامَ جزائه ونتيجته فقط، بدليل قوله: «وإنَّه» أي: العملُ الذي يُدخلُ الجنة ويباعِدُ عن النَّار: «ليَسِيرٌ على من يسَّرهُ الله عليه» لتوفيقه، وتهيئة أسباب الطَّاعة له، وشرحِ صدره إلى السَّعيِ فيما يؤدِّيْه إلى السَّعادة الأبديَّةِ، {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ} (¬5) «اعمَلوا ما شِئتمْ/ [117/أ] فكلٌّ ميسَّرٌ لما خُلِق له» (¬6)، وبالجملة: فالتَّوفيقُ إذا ساعد على شيءٍ تيسَّرَ وإن كان ثِقل الجبال.
قال الطيبيُّ: (وإنما أسْنَد اليُسْرَ إلى الله، وأطْلق العُسْرَ؛ لِئلَّا ينسبَ الخِذلان صَريحًا
¬_________
(¬1) المفاتيح في شرح المصابيح (1/ 123).
(¬2) هو مظهر الدين الحسين بن محمود بن الحسين الحنفي المشهور بـ (المُظهِري)، ويقال له: (المُظهِرُ)، الإمام الفقيه المحدث، له: (المفاتيح في شرح المصابيح)، و (المكمل في شرح المفصل للزمخشري)، وكان من علماء القرن الثامن، توفي (727 هـ) انظر: سلم الوصول إلى طبقات الفحول لحاجي خليفة (2/ 57)، والأعلام للزركلي (2/ 259).
(¬3) في كلام البيضاوي تتمَّةٌ مهمَّة, وهي قوله: (وذلك إن كان نحو طاعةٍ سمِّي: توفيقًا ولطفًا، وإن كان نحو معصيةٍ سمِّي: خذلانًا وطبعًا). انظر: تحفة الأبرار للبيضاوي (1/ 67).
(¬4) تحفة الأبرار للبيضاوي (1/ 67).
(¬5) سورة الأنعام: (125).
(¬6) أخرجه البخاريّ في كتاب تفسير القرآن باب (فَسنيسِّرُه لليسرى) (4949) ومسلم في كتاب القدر، باب كيفية خلق الآدميّ في بطن أمه (2647).