كتاب شرح الأربعين النووية للمناوي حـ 29 - 35

إليه, على طريقة: أنعَمتَ عليهِمْ غيرَ المغضوب عليهم (¬1)) (¬2).
وفيه دليلٌ على مدح السَّائل وتعظيمه، وأنَّه أصاب بسؤاله كنزًا عظيمًا، وأن مدحَ العملِ لصاحبه مندوبٌ، بخلاف مدح الذَّات، والفرق: أنَّ مدحَ العمل يزيد صاحبَه فيه تغبُّطًا وحرصًا، ومدحَ الذَّات يخشى منه العُجْبُ والِالتفاتُ، ثم فسَّر ذلك العملَ العظيمَ بقوله: «تعبد الله».
قال المؤلِّف (¬3): يحتمل أنَّ المراد بالعبادة معرفة الله (¬4)، فيكون عطف الصلاة وغيرها لإدخالها فيما يُدخل الجنة ويبعدُ من النَّار، ويحتمل أنَّ المراد بالعبادة: الطاعةُ مطلقًا، فيدخل فيه جميعُ الوظائف، وعليه: فعطف الصلاة وغيرها عطفُ خاصٍّ على عامٍّ. انتهى (¬5).
واستبعدَ الحافظُ ابنُ حجرٍ الأوَّلَ، وقال: (الأقرب أنَّ المراد: النُّطق بالشهادتين، ولما عبَّر بالعِبادة احتاجَ إلى أن يوضِّحَها بقوله: «لا تشركُ به شيئًا») (¬6).
وقَال الطُّوفيُّ (¬7): (الظَّاهر أنَّ المراد بالعبادة: التوحيدُ، بدليل «لا تشرك» إلخ.
¬_________
(¬1) قال ابن كثير في تفسيره: (6/ 146 (: (فأسند الإنعام إلى الله سبحانه وتعالى، والغضب حذف فاعله أدبًا, وأسند الضلال إلى العبيد، كما قالت الجن: {وأنا لا ندري أشرٌّ أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا}.
(¬2) الكاشف عن حقائق السنن (2/ 485).
(¬3) أي: الإمام النَّووي رحمه الله مؤلِّف (الأربعين النووية).
(¬4) تفسير العبادة بالمعرفة قصور، ولذا تعقّب عليه الحافظ ابن حجر، فيما سيأتي.
(¬5) شرح النووي على مسلم (1/ 162).
(¬6) فتح الباري (1/ 119).
(¬7) هو نجم الدين سليمان بن عبد القوي الطُّوفي الحنبلي، له مؤلَّف في أصول الفقه، وشرح الروضة، وله التعيين في شرح الأربعين، شرحه في ستَّة عشر يومًا! كما صرّح به في ص (339)، وشرحَ المقامات أيَّام كسرت رجله، ولم يكن عنده كُتبٌ، ولكن من صدره، المتوفى (716 هـ) , وهو من مشايخ شيخ الإسلام ابن تيميَّة رحمه الله, فقد ذكر ابن رجبٍ في الذيل (4/ 494) أنَّ شيخ الإسلام قرأ العربيَّة أيَّامًا على سليمانَ بن عبد القويِّ, قال المحقِّق د. العثيمين: (هو الطوفيّ). انظر: ذيل طبقات الحنابلة (4/ 404).

الصفحة 92