كتاب شرح الأربعين النووية للمناوي حـ 29 - 35

وإن كانت بمعنى اللَّام: (¬1) فالمراد به الجزاءُ العظيمُ وجميع الأعمال الصالحة، ويدلُّ للثّاني روايةُ ابن ماجه: «ألا أدلّك على أبواب الجنّة» (¬2) وللأوّل تخصيص بعض الأعمال بالذّكر بقوله: «الصَّوم» أي: الإكثار منه؛ لأنَّ فرضه تقدّم).
«جُنّةٌ» بضمّ الجيم (¬3)، وقايةٌ من سَوْرة (¬4) الشهوة في العاجل، ومن النَّار في الآجل، وأصلها التُّرس (¬5)، شَبَّهَ به الصوم؛ لأنَّه يحمي الصائمَ عن الآفاتِ النفسانية في الدنيا، وعن العقاب في الآخرة -[كما تقدَّم] (¬6) - فإنَّه يقمع الهوى، وبرد (¬7) الشهوات التي هي أسلحة الشيطان، فإن الشِّبعَ مجلبةٌ للآثام، منقصة للإيمان، ولهذا قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: «ما ملأَ ابن آدمَ وعاءً شرًّا من بطنِهِ» (¬8).
¬_________
(¬1) هذا هو النوع الثاني من أنواع الإضافة، وهي الإضافة اللَّامية، وضابطها: أن تكون الإضافة على تقدير اللام) أي: (أبوابٍ للخير)، ولعلَّ هذا هو الأقرب؛ إذ إنَّ الإضافة تأتي بمعنى اللام عند جميع النحويين، بخلاف مجيئها بمعنى (من) البيانيّة، أو بمعنى (في) الظرفيّة. انظر: شرح ابن عقيل (2/ 42).
(¬2) لم أقف عليها في سنن ابن ماجه، لكن هي في مختصرِ قيام اللّيل لابن نصرٍ المروزي ص (35).
(¬3) في هامش نسخة (ب): (وفي الخبر: الصوم جُنَّةٌ من النار, كجُنَّة أحدكم من القتال) اهـ. وهذا الخبر في سنن النسائي (2230) وابن ماجه (1639) وإسناده حسن.
(¬4) كذا في الأصل, وفي (ب): (ثورة) , وفي المصدر: (فورة)! .
(¬5) وذكر ابن فارس في مقاييس اللغة (1/ 421) أنّ الجيم والنون أصل واحد، وهو الستر والتستر، ومن مفرداته: الجَنة، والِجنة، والجنين، والجنان، والمجن، والجنون.
(¬6) ما بين معقوفتين زيادة من (ب).
(¬7) في ب: (ويردع).
(¬8) هذا الحديث أخرجه الترمذي في أبواب الزهد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب (ما جاء في كراهية كثرة الأكل) (2380) وأحمد (28/ 422) والحاكم في المستدرك (4/ 367) كلُّهم من طريق يحيى بن جابر الطائيّ، قال سمعت المقدامَ بن معدي كرب الكنديِّ رضي الله عنه مرفوعاً، ولفظه: «ما ملأ ابن آدم وعاءً شرًّا من بطن، حسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة: فثلثٌ لطعامٍ، وثلث لشرابٍ، وثلثٌ لنفسه». وقال الترمذي: (حسنٌ صحيحٌ)، وفي نسخة: (حسنٌ) , وهو الذي اعتمده الحافظ في البلوغ (529) وذكر المزّيّ =

الصفحة 98