كتاب الرد على الشاذلي في حزبيه وما صنفه في آداب الطريق (اسم الجزء: 1)
وقد رُميت أم المؤمنين بالإفك (¬١)، وبقي النبي - صلى الله عليه وسلم - مدةً متوقفًا في الأمر حتى استشار عليًّا وأسامة - رضي الله عنهما - في فراق أهله، وسأل عنها بَرِيرة، حتى نزل الوحي ببراءتها، وإن كان الغالب والظاهر عنده - صلى الله عليه وسلم - براءتها - رضي الله عنها - لكن [نزل] الوحي وحصَّل اليقين. ونظير هذا كثير.
فكيف يتصور أن يكون غير الرسول لا يحصل له شك ولا ظن ولا وهم أصلًا (¬٢)؟!
فإن أُريد [م ٧] بذلك الظنّ والشكّ والوهم الساتر للقلوب عن مطالعة الغيوب دون غيرها= فمعلومٌ أنَّ مطالعة الغيب أعظم من العلم بالمشاهدات، فإذا كانت (¬٣) المشاهدات التي يعلمها آحادُ الناس لم يُعصَم منها أحد من شكٍّ وظنٍّ ووهم، فكيف بالغيوب؟! لاسيما إن أراد (¬٤) بالغيوب ما غاب عن مشاهدة البشر مطلقًا، وقد قال لأفضل الخلق: {قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ} [الأنعام: ٥٠]، وكذلك أخبر عن نوحٍ (¬٥) أول الرسل.
وأيضًا: فلو قُدِّر أن هذا ممكن ــ مع أن هذا تقديرٌ ممتنع ــ فليس هذا مما
---------------
(¬١) حديث الإفك أخرجه البخاري (٢٦٦١)، ومسلم (٢٧٧٠) من حديث عائشة - رضي الله عنها -.
(¬٢) من قوله: «وقد قال تعالى في قصة ... » إلى هنا زيادة من (ت).
(¬٣) (م، ت): «كان».
(¬٤) (ت): «أريد».
(¬٥) (ت): «نوح الذي هو».