كتاب شذرات الذهب في أخبار من ذهب (اسم الجزء: 3)

لا يأكل من غلّة بغداد ورعا، لأنها من أرض السواد التي لم تقسم، وكان في حداثته [1] يطلب العلم ويمشي في طلبه حافيا حتّى اشتهر بهذا الاسم.
قال مسعر: من طلب الحديث فليتقشف وليمش حافيا.
وصح عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: من اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ في سَبِيلِ الله حَرَّمَهُمَا الله عَلَى النَّارِ [2] فرأى بشر أن طالب العلم يمشي في سبيل الله، فأحب تعميم قدميه بالغبار.
ولم يتزوج بشر قط، ولم يعرف النساء. قيل له: لم لا تتزوج؟ قال: لو أظلني زمان عمر وأعطاني كنت أتزوج. وقيل له: لو تزوجت تم نسكك.
قال: أخاف أن تقوم بحقي ولا أقوم بحقها. قال تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ 2: 228 [البقرة: 228] . وكان يعمل المغازل ويعيش منها حتّى مات. وكان لا يقبل من أحد شيئا عطية أو هدية سوى رجل من أصحابه ربما قبل منه.
وقال: لو علمت أن أحدا يعطي لله لأخذت منه، ولكن يعطي بالليل ويتحدث بالنهار.
وقال لابن أخته عمر: يا بني اعمل فإن أثره في الكفين أحسن من أثر السجدة بين العينين.
وقال ليس شيء من أعمال البرّ أحبّ إليّ من السخاء، ولا أبغض إليّ من الضيق وسوء الخلق.
وسئل أحمد بن حنبل عن مسألة في الورع فقال: أستغفر الله لا يحل لي أن أتكلم في الورع، أنا [3] آكل من غلة بغداد، ولو [4] كان بشر، صلح أن
__________
[1] في المطبوع: «في حدائته» وهو خطأ.
[2] رواه بهذا اللفظ البخاري رقم (907) في الجمعة: باب المشي إلى الجمعة، وقول الله جلّ ذكره: فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ الله 62: 9 [الجمعة: 9] ، وأحمد في «المسند» (3/ 479) من حديث أبي عبس رضي الله عنه، وهو أبو عبس بن جبر، واسمه عبد الرحمن، وليس له في «صحيح البخاري» سوى هذا الحديث الواحد. وانظر «جامع الأصول» (9/ 432- 432) .
[3] في المطبوع: «وأنا» .
[4] في المطبوع: «لو» .

الصفحة 124