كتاب شذرات الذهب في أخبار من ذهب (اسم الجزء: 9)

الاشتغال، وتفقّه على الشيخ تقي الدّين بن قندس البعلي شيخ الحنابلة في وقته، فبرع وفضل في فنون من العلوم، وانتهت إليه رئاسة المذهب، وباشر نيابة الحكم دهرا طويلا، فحسنت سيرته، وعظم أمره، ثم فتح عليه في التصنيف، فصنّف كتبا كثيرة في أنواع العلوم، أعظمها «الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف» أربع مجلدات ضخمة جعله على «المقنع» وهو من كتب الإسلام، فإنه سلك فيه مسلكا لم يسبق إليه، بيّن فيه الصحيح من المذهب، وأطال فيه الكلام، وذكر في كل مسألة ما نقل فيها من الكتب وكلام الأصحاب، فهو دليل على تبحر مصنّفه، وسعة علمه، وقوة فهمه، وكثرة اطلاعه، ومنها «التنقيح المشبع في تحريم المقنع» وهو مختصر «الإنصاف» و «التحرير في أصول الفقه» ذكر فيه المذاهب الأربعة، وغيرها وشرحه، وجزء في الأدعية والأوراد سمّاه «الحصون المعدّة الواقية من كل شدّة» و «تصحيح كتاب الفروع» لابن مفلح، و «شرح الآداب» . وغير ذلك. وانتفع الناس بمصنّفاته، وانتشرت في حياته وبعد وفاته، وكانت كتابته على الفتوى غاية، وخطه حسن، وتنزه عن مباشرة القضاء في أواخر عمره، وصار قوله حجّة في المذهب يعوّل عليه في الفتوى والأحكام في جميع مملكة الإسلام. ومن تلامذته قاضي القضاة بدر الدّين السّعدي قاضي الديار المصرية، وغالب من في المملكة من الفقهاء والعلماء وقضاة الإسلام، وما صحبه أحد إلّا وحصل له الخير، وكان لا يتردد إلى أحد من أهل الدنيا، ولا يتكلم فيما لا يعنيه، وكان الأكابر والأعيان يقصدونه لزيارته والاستفادة منه، وحجّ، وزار بيت المقدس مرارا، ومحاسنه أكثر من أن تحصر، وأشهر من أن تذكر.
وتوفي بالصالحية دمشق يوم الجمعة سادس جمادى الأولى، ودفن بسفح قاسيون قرب الرّوضة.
وفيها سراج الدّين عمر بن حسين بن حسن بن علي العبّادي القاهري [1] الشافعي الأزهري الإمام العلّامة، شيخ الشافعية في عصره.
توفي في ربيع الأول وقد جاوز الثمانين سنة.
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (6/ 81) و «الذيل التام» (2/ 191) من المنسوخ.

الصفحة 511