كتاب شذرات الذهب في أخبار من ذهب (اسم الجزء: 10)

وفيها السلطان أبو النصر قايتباي [بن عبد الله] [1] الملك الأشرف الجركسي الظّاهري [2] نسبة إلى الظّاهر جقمق الحادي والأربعون من ملوك التّرك، والسادس عشر من الجراكسة.
ولد سنة ست وعشرين وثمانمائة، ثم اتصل بالملك الظّاهر فأعتقه ولم يزل عنده يترقّى من مرتبة إلى مرتبة، إلى أن آل أمره إلى أن بويع له بالسلطنة يوم الاثنين سادس رجب سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة، ولم يكن له في زمنه منازع ولا مدافع، وسار في الناس السيرة الحميدة، واجتهد في بناء المشاعر العظام، وكان له في الشيخ عبد القادر الدشطوتي غاية الاعتقاد، وكان يتولى تربيته وإرشاده كلما مرّ عليه، ويمتثل هو أمره، وربما نزل إليه فقبّل يديه.
وقال له الشيخ يوما والذّباب منعكف عليه: يا قايتباي قل لهذا الذّباب يذهب عني، فحار وقال له: يا سيدي كيف يسمع الذّباب مني؟ فقال: كيف تكون سلطانا ولا يسمع الذّباب منك، ثم قال الشيخ: يا ذباب اذهب عني، فلم تبق عليه ذبابة.
وكان قايتباي محتاطا في الوظائف الدينية، كالقضاء والمشيخة والتدريس، لا يولّي شيئا من ذلك إلّا الأصلح بعد التروي والتفحّص.
قال ابن العيدروس في كتابه «النّور السّافر عن أخبار [3] القرن العاشر» : وقع له في بناء المشاعر العظام ما لم يقع لغيره من الملوك كعمارة مسجد الخيف بمنى، وحفر بنمرة صهريجا ذرعه عشرون ذراعا وعمر بركة خليص، وأجرى العين الطيبة إليها، وأصلح المسجد الذي هناك، وأجرى عين عرفة بعد انقطاعها أزيد من قرن، وعمر سقاية سيدنا العبّاس، وأصلح بئر زمزم والمقام، وجهّز في سنة تسع وسبعين للمسجد منبرا عظيما، وكان يرسل للكعبة الشريفة كسوة فائقة جدا في كل سنة، وأنشأ بجانب المسجد الحرام مدرسة عظيمة
__________
[1] ليس ما بينهما في «ط» .
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (3/ 201- 211) ، و «بغية الوعاة» (2/ 122) ، و «النّور السافر» (13) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 297- 300) .
[3] في «ط» : «عن أعيان» وما جاء في «آ» موافق لما جاء على غلاف النسخة الخطية والنسخة المطبوعة منه.

الصفحة 12