كتاب شعب الإيمان للبيهقي - العلمية (اسم الجزء: 2)

الثالث عشر من شعب الإيمان ـ و هو باب التوكل بالله عز و جل و التسليم لأمره تعالى في كل شيء ـ قال الله تعالى : { الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل } و قال لنبيه صلى الله عليه و سلم : { إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون } و قال : { إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون } و قال : { و من يتوكل على الله فهو حسبه } و غير ذلك من الآيات التي ذكر الله عز و جل فيها التوكل قال الإمام رحمه الله تعالى : و جملة التوكل تفويض الأمر إلى الله جل ثناؤه و الثقة به و اختلف أهل البصائر في ذلك فقال قائلون : التوكل الصحيح ما كان من قطع الأسباب فإذا جاء السب إلى المراد نفع التوكل و قال آخرون : كل أمر بين الله فيه لعباده طريقا ليسلكوه إذا عرض لهم فالتوكل إنما يقع منهم في سلوك تلك السبيل و التسبب به إلى المراد فإن فعلوا ذلك متوكلين على الله عز و جل في أن ينجح سعيهم و يبلغهم مرادهم كانوا آتين الأمر من بابه و من جرد التوكل عن التسبب بما جعله الله سببا فلم يعمل لما أمر به و لم يأت الأمر من بابه
1163 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو بكر بن عبد الله أنا الحسن بن سفيان ثنا زكريا بن يحيى ثنا هشيم عن حصين قال : كنت عند سعيد بن جبير فقال ليلا : أيكم رأى الكوكب الذي انقض البارحة ؟ قال : قلت : أنا قال : أما إني لم أكن في صلاة و لكني لدغت قال : فما فعلت ؟ قال قلت : استرقيت قال : و ما حملك على ذلك ؟ قلت : حديث حدثناه الشعبي قال : و ما حدثكم الشعبي ؟ قال : قلت حدثنا عن بريدة بن الحصيب أنه قال : لا رقية إلا من عين أو حمة
قال : قلت : حدثنا عن بريدة بن حفص أنه قال : لا رقية إلا من عين أو حمة
قال : فقال سعيد بن جبير : قد أحسن من انتهى إلى ما سمع ثم قال سعيد بن جبير : ثنا ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : عرضت على الأمم قال : فرأيت النبي معه الرهط و النبي معه الرجل و الرجلان و النبي ليس معه أحد إذ رفع لي سواد عظيم فقلت : هذه أمتي فقيل : هذا موسى و قومه و لكن انظر إلى الأفق قال : فنظرت فإذا سواد عظيم ثم قيل انظر إلى هذا الجانب الآخر فإذا سواد عظيم فقيل هذه أمتك و معهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب و لا عذاب
ثم نهض النبي صلى الله عليه و سلم فدخل فخاض القوم في ذلك فقالوا : من هؤلاء الذين يدخلون الجنة بغير حساب و لا عذاب ؟ فقال بعضهم لبعض : لعلهم الذين صحبوا النبي صلى الله عليه و سلم و قال بعضهم : فلعلهم الذي ولدوا في الإسلام و لم يشركوا بالله شيئا قط و ذكروا أشياء فخرج إليهم النبي صلى الله عليه و سلم فقال :
ما هذا الذي كنتم تخوضون فيه ؟
فأخبروه بمقالتهم فقال :
هم الذين لا يكتوون و لا يسترقون و لا يتطيرون و على ربهم يتوكلون فقام عكاشة بن محصن الأسدي فقال : أنا منهم يا رسول الله ؟ فقال : أنت منهم ثم قام رجل آخر فقال أنا منهم يا رسول الله قال : سبقك بها عكاشة
أخرجه في الصحيح من حديث هشيم و غيره
و في حديث بريدة رخصة في الاسترقاء و قد رواه إسماعيل بن زكريا و مالك بن مغول عن حصين عن الشعبي عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه و سلم مرفوعا قوله :
لا رقية إلا من عين أو حمة
و الله أعلم أنهما أولى بالرقي لما فيهما من زيادة الضرر
و الحمة سم ذوات السموم
و أما رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس
قال الحليمي رحمه الله تعالى : يحتمل أن يكون أراد بهم الغافلين عن أحوال الدنيا و ما فيها من الأسباب المعدة لدفع الآفات و العوارض فهم لا يعرفون الاكتواء و لا الاسترقاء و لا يعرفون فيما ينوبهم ملجأ إلا الدعاء و الاعتصام بالله عز و جل
و قد روي عن النبي صلى الله عليه و سلم :
أكثر أهل الجنة البله
فقيل : معناه البله عن شهوات الدنيا و زينتها و الحبائل التي للشيطان فيها و قال الله عز و جل :
{ إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات }
فقيل : أراد الغافلات عما يرمين به من الفحشاء لا يتفكرن فيها و لا يخطرن بقلوبهن و لا تكون من همتهن فكذلك الذين أثنى عليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم في هذا الخبر هم الغافلون عن طب الأطباء و رقي الرقاة و لا يحسنون منها شيئا لا الذين يحسنون و لا يستعملون ثم احتج بما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم في ذلك و هو أنه صلى الله عليه و سلم كوى أسعد بن زرارة من الشوكة
و بعث إلى أبي بن كعب طبيبا فقطع منه عرقا ثم كواه عليه و هذا يدل على الرخصة في ذلك
قال الإمام أحمد رحمه الله

الصفحة 57