كتاب شعب الإيمان للبيهقي - العلمية (اسم الجزء: 6)

7425 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ نا أبو محمد أحمد بن عبد الله المزني نا النعمان بن أحمد بن نعيم الواسطي قاضي تستر نا الحسين بن علي الأزدي المعروف نا ابن السمسار نا محمد بن علي النحوي نا الفضل بن الربيع قال : حج أمير المؤمنين هارون الرشيد قال : فبينما أنا ليلة نائم بمكة إذ سمعت قرع الباب فقلت : من هذا فقال : أجب أمير المؤمنين فخرجت مسرعا فقلت : يا أمير المؤمنين هلا أرسلت إلي فآتيك فقال : حل في نفسي شيء فانظر لي رجلا أسأله عنه فقلت : ها هنا سفيان بن عيينة قال : فامض بنا إليه فأتيناه فقرعت عليه الباب فقال : من هذا ؟ فقال : أجب أمير المؤمنين فخرج مسرعا فقال : يا أمير لو أرسلت إلي أتيتك فقال له : خذ لما جئناك له رحمك الله فحادثه ساعة فقال له : أعليك دين ؟ قال : نعم قال : يا عباس اقض دينه ثم التفت إلي فقال : يا عباس ما أغنى عني صاحبك شيئا فانظر لي رجلا أسأله فقلت : ههنا عبد الرزاق بن همام فقال : امض بنا إليه فأتيناه فقرعت عليه الباب فقلت : أجب أمير المؤمنين فخرج مسرعا فقال : يا أمير المؤمنين لو أرسلت إلي أتيتك فقال : خذ لما جئناك له رحمك الله فحادثه ساعة ثم قال له : أعليك دين ؟ قال : نعم قال : يا عباس اقض دينه ثم التفت إلي فقال : ما أغنى عني صاحبك شيئا فانظر لي رجلا أسأله فقلت : ههنا فضيل بن عياض فقال : امض بنا إليه فأتيناه فإذا هو قائم يصلي يتلو آية من كتاب الله و يرددها و كان هارون رجلا رقيقا فبكى بكاء شديدا ثم قال لي : اقرع الباب فقرعته فقال : من هذا فقلت : أجب أمير المؤمنين فقال : ما لي و لأمير المؤمنين فقلت : سبحان الله أو ما عليك طاعة ؟
7426 - أو ليس قد روي : عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال :
لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه ؟ !
قال : فنزل ففتح الباب ثم ارتقى إلى الغرفة و أطفأ السراج و التجأ إلى زاوية من زوايا الغرفة فجلس فيها فجعلنا نجول عليه بأيدينا فسبقت كف هارون كفي إليه فقال : أوه من كف ما ألينها إن نجت من عذاب الله قال : فقلت في نفسي : لتكلمنه الليلة بكلام نقي من قلب نقي
قال فقال له : خذ لما جئناك له رحمك الله فقال له : يا أمير المؤمنين بلغني أن عاملا لعمر بن عبد العزيز شكا إليه فكتب إليه يا أخي اذكر طول سهر أهل النار في النار مع خلود الأبد فإن ذلك يطرق بك إلى الرب نائما و يقظانا و إياك أن ينصرف بك من عند الله فيكون آخر العهد بك و منقطع الرجاء فلما قرأ الكتاب طوى البلاد حتى قدم على عمر فقال له عمر : ما أقدمك ؟ قال : خلعت قلبي بكتابك و لا وليت ولاية حتى ألقى الله قال : فبكى هارون بكاء شديدا ثم قال : زدني رحمك الله فقال : يا أمير المؤمنين بلغني أن عمر بن عبد العزيز لما ولي الخلافة دعا سالم بن عبد الله و محمد بن كعب القرظي و رجاء بن حيوة فقال لهم : إني بليت البلاء فأشيروا علي فعد الخلافة بلاء و عددتها أنت و أصحابك نعمة فقال محمد بن كعب القرظي : إن أردت النجاة من عذاب الله فليكن كبير المسلمين عندك أبا و أوسطهم عندك أخا و أصغرهم عندك ولدا فوقر أباك و أكرم أخاك و تحنن على ولدك و قال له سالم بن عبد الله : إن أردت النجاة من عذاب الله فصم الدنيا و ليكن إفطارك منها الموت و قال له رجاء بن حيوة : إن أردت النجاة غدا من عذاب الله فأحب للمسلمين ما تحب لنفسك و اكره لهم ما تكره لنفسك و إني لأقول لك هذا و إني لأخاف عليك أشد الخوف يوم تزل فيه الأقدام فهل معك رحمك الله من يأمرك بمثل هذا ؟ فبكى هارون بكاء شديدا حتى غشي عليه فقلت له : ارفق بأمير المؤمنين فقال له : يا ابن أم الربيع تقتله أنت و أصحابك و أرفق به أنا ثم إنه أفاق فقال له : زدني رحمك الله فقال له : يا أمير المؤمنين يا حسن الوجه أنت الذي يسأله الله عن هذا الخلق يوم القيامة فإن استطعت أن تقي هذا الوجه من النار فافعل فقال له هارون الرشيد : عليك دين ؟ قال : نعم دين لربي لم يحاسبني عليه فالويل لي إن ناقشني و الويل لي إن لم ألهم حجتي فقال : إنما أعني دين العيال فقال : إن ربي لما يأمرني بهذا أمرني أن أصدق وعده و أن أطيع أمره فقال عز من قائل :
{ وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون * ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون * إن الله هو الرزاق }
فقال له : هذه ألف دينار فخذها و أنفقها على نفسك و تقو بها على عبادة ربك فقال : سبحان الله أنا أدلك على النجاة و أنت تكافئني بمثل هذا سلمك الله و وفقك قال : فخرجنا من عنده فبينما نحن على الباب إذ بامرأة من نسائه قالت له : يا أبا عبد الله قد ترى ما نحن فيه من الحال فلو قبلت هذا المال و فرحتنا به فقال لها : مثلي و مثلكم مثل قوم كان لهم بعير يستقون عليه فلما كبر نحروه و أكلوه لحمه فلما سمع هذا الكلام قال : يرجع فعسى أن يقبل هذا المال فلما أحس به الفضيل خرج إلى تراب في السطح فجلس عليه و جاء هارون إلى جنبه فجعل يكلمه و لا يجيبه بشيء و يكلمه فلا يجيبه بشيء فبينا نحن كذلك إذ بجارية سوداء قد خرجت علينا فقالت : قد آذيتم الشيخ من الليلة انصرفوا رحمكم الله قال : فخرجنا من عنده فقال له : يا عباس إذا دللتني على رجل فدلني على هذا فهذا سيد المسلمين قال : و قال الفضيل : تقرأ في وترك الخلع و تترك من يفجرك ثم تغدو إلى الفاجر فتعامله قال : و قال الفضيل : لا تنظر إليهم من طريق الغلظة عليهم و لكن انظر من طريق الرحمة يعني السلطان
7427 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا الحسين بن محمد بن إسحاق نا أبو عثمان الحناط نا أحمد بن أبي الحواري حدثني أبو عصمة قال : حدث سفيان قال : قال ابن السماك : بعث إلي هارون فلما أتيته إلى باب القصر أخذني حرسان فأسرعا بي إلى القصر فلما انتهيت إلى صحن القصر لقيني خصيان ضخمان فأخذاني من الحرسين فأسرعا بي إلى قاعة القصر حتى انتهينا إلى باب البهو الذي هو فيه فقال لهما هارون : ارفقا بالشيخ فلما وقفت بين يديه فقلت له : يا أمير المؤمنين ما مر بي يوم منذ ولدتني أمي أنا فيه أتعب من يومي فقلت له : يا أمير المؤمنين و اعلم أن لك مقاما بين يدي الله تعالى أنت فيه أذل من مقامي هذا بين يديك فاتق الله في خلقه و احفظ محمدا في أمته و انصح نفسك في رعيتك و اعلم أن الله آخذ سطواته و انتقامه من أهل معاصيه قال : فاضطرب على فراشه حتى وقع على مصلى بين يدي فراشه فقلت : يا أمير المؤمنين هذا أول الصفة فكيف لو رأيت ذل المعاينة قال : فكادت نفسه تخرج و كان يحيى بن خالد إلى جنبه فقال للخصمين : أخرجوه فقد أبكى أمير المؤمنين فقال سفيان رحمه الله : لقد أبلغ

الصفحة 36