كتاب شرح كتاب الحج من بلوغ المرام

هل يدل هذا على أن من لم يحج كافر؟
الأمر كما روي عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى: {.. وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ ..} [النمل: 40]، قال: «من كفر بالحج فلم ير حجه برًا ولا تركه مأثمًا» (¬1).
وإن كان هذا الخبر به ضعفًا لكن معناه صحيح فعلى معناه يدل مفهوم كتاب الله وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وآثار الصحابة - رضي الله عنهم - وإجماع الأمة.
فمما لا شك فيه أن الذي لا يرى الحج برًّا ولا يرى تركه إثمًا كافر (¬2).
وقد نزلت آية آل عمران: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} في العام التاسع من الهجرة في عام الوفود باتفاق أهل السير.
وأما قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} فنزلت في العام السادس من الهجرة، وكانت مكة في قبضة المشركين حيث أنها ظلت في أيديهم إلى العام السابع، وفي هذا العام أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - بعمرة القضية (¬3).
وفي العام الثامن من الهجرة كان فتح مكة وفي التاسع كان عام الوفود (¬4) وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - ماكثًا في المدينة مشتغلًا باستقبال الناس لدخولهم في الإسلام زرافات ووحدانا، وكان هذا أنفع.
¬_________
(¬1) رواه البيهقي في شعب الإيمان (3/ 427 رقم 3971)، وفي السنن الكبرى (4/ 324 رقم 8389) من كلام ابن عباس فيما رواه عنه علي بن أبي طلحة، ورواية علي بن أبي طلحة وإن كان من رجال مسلم إلا أن روايته عن ابن عباس منقطعة عند أهل العلم، ولكنها وجدت بالتتبع والاستقراء موفقة للصحيح.
(¬2) وقد عدد أهل التفسير والأثر الشواهد على هذا في تفسير الآية السابقة فلمزيد بيان انظر إن شئت تفسير الآية في تفسير الطبري والقرطبي وفتح القدير والدر المنثور وروح المعاني ... وغيرهم.
وانظر أيضًا في المسألة ذاتها كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (20/ 91)، وشرح العمدة (3/ 633)، وانظر بدائع الصنائع (2/ 290).
(¬3) قال ابن عبد البر في التمهيد (15/ 212)، وابن حجر في الفتح (3/ 602): سميت بذلك لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاضي قريشًا وصالحهم في ذلك العالم على الرجوع عن البيت وقصده من قابل إن شاء فسميت بذلك عمرة القضية. اهـ. وكانت في ذي القعدة.
(¬4) سُمي بهذا لكثرة الوفود التي وفدت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه، ولمزيد من التفصيل انظر كتاب المغازي في المجلد السابع من صحيح البخاري بداية من حديث رقم (4365)، ومسلم كتاب الفضائل.

الصفحة 11