كتاب شرح كتاب الحج من بلوغ المرام

وأيضًا هناك مانع آخر منعه - صلى الله عليه وسلم - من الحج في العام التاسع؛ أن المشركين كانوا يحجون، ولهذا بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - بأبي بكر وأتبعه بعلي بن أبي طالب، فكانوا يُعْلِنُون أنه لا يحج بعد هذا العام مشرك ولا يطوف بالبيت عُريان ولا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة (¬1).
فكان هذا إعلانًا من الله ورسوله أن الحج في السنة القادمة لا يحج إلا المسلمون، وهذان مانعان مشهوران عند أهل العلم من عدم حج النبي - صلى الله عليه وسلم - سنة تسع للهجرة.
فالخلاصة موانع حج النبي - صلى الله عليه وسلم - في العام التاسع:
أولاً: أن الحج كان فيه مشركون كثير سنة تسع.
الأمر الثاني: أن النبي اشتغل في العام التاسع بالوفود، وعدد الوفود الذين قدموا على النبي - صلى الله عليه وسلم - أفاد الحافظ أنهم بلغوا ستين وفدًا كما ذكره في فتح الباري في باب حج أبي بكر بالناس من كتاب المغازي (8/ 83).
وهناك أمر ثالث ذكره شيخ الإسلام والحافظ ابن حجر وغيرهم: وهو أن الزمان لم يكن قد استدار، وكانت قريش وغيرها من مشركي العرب يعبثون في الزمان، كما قال تعالى: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا} [التوبة: 37].
فكانوا يؤخرون الشهور، فكانت الأيام لم تقع على هيئتها كما خلقها الله - عز وجل -، لهذا لما خطب النبي - صلى الله عليه وسلم - سنة عشر من الهجرة في حجة الوداع قال: «إن الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق الله السماوات والأرض» (¬2).
أي: وقعت الأيام موقعها، وكان شهر ذي الحجة موافق لأول ابتداء الخلق، فكان الحج حقيقيًّا، وإن كان هذا في كونه مانع نظرًا من حيث إن الناس - كما أجمع أهل العلم - لو وقفوا في اليوم الثامن أو اليوم العاشر بعرفة لصح حجهم باتفاق.
¬_________
(¬1) أخرجه البخاري (362، 1543، 4378)، ومسلم (1347).
(¬2) رواه البخاري (4385، 5230)، ومسلم (1679).

الصفحة 12