كتاب شروح حماسة أبي تمام دراسة موازنة في مناهجها وتطبيقها

إن كان ما بُلغت عني فلامني صديق وشُلت من يدي الأنامل
وكفنت وحدي مُنذرًا بردائه وصادق حوطًا من أعادي قاتل
"ودخل هذان البيتان في الباب لما اشتملا عليه لفظًا ومعنى من الفظاظة والقسوة". وهي في رأينا علة بعيدة إذ ينبغي على هذا أن يدخل كل شعر فيه فظاظة وقسوة في هذا الباب.
ولقد حاول زيد بن علي الفارسي أن يوجد علة لوجود هذين البيتين في الحماسة فلجأ إلى تعليل قد يبدو مقبولًا في مثل هذه الحال قال: "فإن قيل فما في البيتين من الحماسة؟ فالجواب أنه يعتذر عما نسب إليه من النكول في الحرب، وينتقي ذلك منه، وهذا فعل الشجاع". فهي علة تبدو مقبولة، ولكن ظاهر البيتين لا يدل على أنه يعتذر عن النكول في الحرب، فربما كان يعتذر من شيء لا صلة له بهذا الذي ذكره زيد بن علي، ويبدو أن الأمر كذلك، لأن أبا محمد الأعرابي ذكر أن هذين البيتين ليسا لمعدان بن جواس، وإنما لحجية بن المضرب قالهما في الاعتذار إلى النعمان ابن المنذرحين اتهمه الأخير بأنه أنذر تميمًا من غزوة كان النعمان قد أزمع القيام بها ضد بني تميم.
ومثل ذلك ما ذكره المرزوقي في أبيات شبرمة بن الطفيل التي يقول فيها:
ويوم شديد الحر قصر طوله دم الزق عنا واصطفاق المزاهر
لدن غدوة حتى أروح وصحبتي عُصاة على الناهين شُم المناخر
كأن أباريق الشمول لديهم أوز بأعلى الطف عُوج الحدجر
فقد قال: "وأدخل هذه القطعة في باب النسيب لرقتها ودلالتها على اللهو والخسارة"، وليست هذه بعلة وإنما هو تكلف ظاهر، إذ لو صح مثل هذا القول

الصفحة 26