كتاب شروح حماسة أبي تمام دراسة موازنة في مناهجها وتطبيقها

يقف وراء اختلاف المرزوقي والتبريزي في روايتها وعدد أبياتها، وفي ترتيب المختارات فيها وترتيب الأبيات في بعضها"
وفي إدراكي أننا يمكن أن نرجع اختلاف عدد القطع وترتيبها في الباب الواحد، وعدد الأبيات في القطعة الواحدة، بل وترتيبها أيضًا إلى اختلاف نسخ الحماسة المتداولة بين الناس في ذلك الزمن، أما أن نرجع وجود قطعة في غير موضعها لهذا السبب فهذا ما ينبغي أن نحذره، وذلك لأننا قد نجد اتفاقًا يقع بين روايتين فأكثر في عدد القطع أو في الترتيب أو في عدد الأبيات وترتيبها، ولكننا - وبوقوفنا على شروح عدة وفي عصور مختلفة - لم نجد قطعة واحدة من القطع التي رويت في غير موضعها من الأبواب قد رويت في شرح واحد من الشروح التي وقفنا عليها في موضعها الذي ينبغي أن تكون فيه، وهذا وحده هو الذي يجعلنا لا ننفي مسؤولية ذلك عن أبي تمام، ونحن لا نشكك في أن أبا تمام أقدر على تصنيف الشعر بحسب معانيه، ولكنه كان رائدًا في هذا المجال، فلم يسبقه أحد في هذه الصنيع، ومعلوم أن أي عمل يكون رائدًا في باب لا يخلو من فوات، والنظائر في هذا متعددة، فالخليل بن أحمد مثلًا كان رائدًا في عمله الذي صنعه في كتاب العين، وريادته هذه جعلته يقع في فوات يتمثل في أنه رأى أن حرف العين هو أقصى حرف يخرج من الحلق، فجاء من بعده من نبه إلى أن الهمزة لا العين هي التي تخرج من أقصى الحلق، ولم يعب ذلك الخليل ولا كتاب العين في أنه مجهود لعالم قدم ما رآه صحيحًا في مجال العلم.
ولعل أصدق ما يقال في هذه الخصوص هو ما قاله الأستاذ علي النجدي ناصف: "إن فنون الشعر لذلك العهد لم تكن قد حددت تحديدًا دقيقًا واضحًا يرتضيه جمهور الأدباء، ويتفقون فيه على رأي جميع، فتصرف أبو تمام فيها دون حكمة ظاهرة ولا سبب معلوم إلا ملاحظة الفروق اليسيرة والتزام على مقتضاها في التقسيم والتصنيف".

الصفحة 28